الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمشهور عند المالكية: أن الرجوع عن الإقرار لشبهة أو لا لشبهة، كقوله: كذبت على نفسي، أو وطئت زوجتي وهي محرمة، فظننت أنه زنا، يسقط الحد، وروي عن الإمام مالك أنه قال: لا يعذر إلا إذا رجع لشبهة، عملاً بحديث: «لا عذر
لمن أقر» (1).
والخلاصة: أن الرجوع عن الإقرار جائز بالاتفاق.
المبحث الخامس ـ إقامة الحد على الزاني:
شروط إقامة الحد:
يشترط لإقامة الحد ما يلي:
أولاً ـ هناك شرائط لإقامة الحد: منها ما يعم الحدود كلها، ومنها ما يخص حد الرجم. أما ما يعم الحدود كلها فهو الإمامة كما سيأتي، وأما ما يخص حد الرجم: فهو شرط البداية من الشهود في الرجم. وعلى هذا فالإمام أو من ينوب عنه هو مقيم الحد. فإذا كان الحد جلداً فهو الذي يقيمه أو ينيب عنه أحداً. وأما إذا كان الحد رجماً، فيشترط البداية من الشهود في الرجم، إذا ثبت الحد بالشهادة، فإذا ثبت بالإقرار، فيبدأ الإمام بالرجم (2).
اختلاف العلماء في اشتراط بداءة الشهود بالرجم:
قال الحنفية: إن ثبت وجوب الرجم بالشهادة، فيشترط بدء الشهود بالرجم استحساناً، بدليل ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: «يرجم الشهود أولاً ثم
(1) بداية المجتهد: 430/ 2، حاشية الدسوقي: 318/ 4.
(2)
البدائع: 57/ 7 وما بعدها، فتح القدير: 122/ 4، 124، حاشية الدسوقي: 320/ 4، بداية المجتهد: 428/ 2.
الإمام ثم الناس» (1) وكلمة «ثم» للترتيب، وكان ذلك بمحضر من الصحابة، ولم ينكر أحد، فكان إجماعاً، ولأن في اعتبار هذا الشرط احتياطاً في درء الحد؛ لأن الشهود إذا بدؤوا بالرجم ربما استعظموا فعله، فيحملهم هذا على الرجوع عن الشهادة، فيسقط الحد عن المشهود عليه، فإن امتنع بعض الشهود عن الرجم، سقط الرجم عند أبي حنيفة ومحمد، وفي رواية عن أبي يوسف؛ لأن امتناعهم عن الرجم أورث شبهة الكذب في شهادتهم.
هذا بخلاف الجلد، فلا يشترط ابتداء الشهود به؛ لأنهم لا يعرفونه على وجهه الصحيح، ولأن الأثر عن علي ورد في الرجم خاصة، فيبقى أمر الجلد على أصل القياس.
وقال المالكية: إذا حضر الإمام الرجم، جاز له أن يبدأ هو وأن يبدأ غيره، فلم يثبت عند الإمام مالك في حديث صحيح ولا سنة معمول بها بداءة البينة بالرجم، ثم من بعدهم الإمام، أي الحاكم، ثم الناس عقبه (2).
وقال الشافعية والحنابلة: السنة إذا ثبت الحد بالبينة أن يبدأ الشهود بالرجم، ثم الحاكم، ثم الناس؛ لأن الشهود في غير أداء الشهادة هم وسائر الناس سواء، فلا يلزم أحد بذاك. والإمام هو الذي يستوفي الحدود، ولأن الرجم أحد نوعي الحد، فيقاس على الجلد، الذي لا يشترط فيه البداية من الشهود (3).
(1) رواه البيهقي في سننه عن عامر الشعبي، ورواه أحمد في مسنده عن الشعبي أيضاً، ورواه ابن أبي شيبة عن يزيد بن أبي ليلى، وعن ابن مسعود عن علي بألفاظ مختلفة (راجع نصب الراية: 319/ 3 وما بعدها، نيل الأوطار: 108/ 7).
(2)
القوانين الفقهية: ص 356، الشرح الكبير وحاشيته: 320/ 4، مواهب الجليل: 320/ 6، ط ثانية.
(3)
البدائع، فتح القدير، المرجعان السابقان، المنتقى على الموطأ: 133/ 7، بداية المجتهد: 438/ 2، مغني المحتاج: 152/ 4، المهذب: 269/ 2 وما بعدها، المغني: 159/ 8. .
وهذا الرأي هو مقتضى القياس عند الحنفية.
ثانياً ـ لا يقيم الحدود إلا الإمام أو من فوض إليه الإمام، باتفاق الفقهاء؛ لأنه لم يقم حد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه، ولا في أيام الخلفاء إلا بإذنهم، ولأن الحد حق لله تعالى يفتقر إلى الاجتهاد، ولا يؤمن فيه الحيف، فلم يجز بغير إذن الإمام (1).
ثالثاً ـ يشترط عند الحنفية وجود أهلية أداء الشهادة لدى الشهود عند إقامة الحد، فلو بطلت أهليتهم بالفسق أو الردة أو الجنون أو العمى أو الخرس أو نحوها، سقط الحد (2) كما سبق بيانه. ولم يشترط الجمهور هذا الشرط.
رابعاً ـ يشترط بالاتفاق: ألا يكون في إقامة حد الجلد خوف الهلاك؛ لأن هذا الحد شرع زاجراً لا مهلكاً، فلا يجوز إقامة حد الجلد في الحر الشديد والبرد الشديد، والمرض والنفاس، والحمل؛ لأن الحد إذا أقيم في هذه الأحوال أدى إلى القتل، ولأنه يخشى هلاك الحامل وهلاك ولدها (3)
لكن الشافعية والحنابلة أجازوا إقامة الحد في المرض الذي لا يرجى برؤه (4)، وقالوا في هذه الحالة أو إذا كان نضو الخلق لا يطيق الضرب: يضرب بمئة شمراخ دفعة واحدة، لما روى سهل بن حنيف أنه أمر في رجل مريض أضنى أن يأخذوا مئة شمراخ، فيضربوه بها ضربة واحدة (5)، ولأنه لا يمكن ضربه بالسوط؛ لأنه يتلف به، ولا يمكن تركه؛ لأنه يؤدي إلى تعطيل الحد. أما الضمان فقال الشافعية:
(1) المهذب: 269/ 2، البدائع: 57/ 7.
(2)
البدائع: 59/ 7.
(3)
البدائع، المرجع السابق، المبسوط: 100/ 9، المهذب: 270/ 2 وما بعدها.
(4)
مغني المحتاج: 155/ 4، المهذب: 270/ 2 وما بعدها، حاشية الدسوقي: 330/ 4، القوانين الفقهية: ص 356، ط، فاس، المغني: 171/ 8، 173.
(5)
رواه أحمد وابن ماجه.