الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني ـ مشروعية القسامة وحكمة التشريع وسبب وجوب القسامة:
كانت القسامة معروفة في الجاهلية، وأول من قضى بها الوليد بن المغيرة. وثبتت مشروعية القسامة بالسنة في أحاديث متعددة، منها: ما رواه رجل من الأنصار: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية» (1).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر إلا في القسامة» (2).
وروى الجماعة عن سهل بن أبي حَثْمة قال: «انطلق عبد الله بن سهل، ومُحَيِّصة بن مسعود إلى خيبر، وهو يومئذ صلح، فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل، وهو يتشحّط في دمه (3) قتيلاً، فدفنه، ثم قدم المدينة، فانطلق عبد الرحمن بن سهل، ومُحَيِّصة وحُوَيِّصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب عبد الرحمن يتكلم، فقال: كبِّر كبِّر (4)، وهو أحدث القوم، فسكت، فتكلما، قال: أتحلفون وتستحقون قاتلكم، أو صاحبكم (5)؟ فقالوا: وكيف
نحلف، ولم
(1) رواه أحمد ومسلم والنسائي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار (نيل الأوطار: 34/ 7).
(2)
رواه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهو ضعيف (نيل الأوطار: 39/ 7).
(3)
هو الاضطراب في الدم.
(4)
أي دع من هو أكبر منك سناً يتكلم.
(5)
فيه دليل على مشروعية القسامة. وإليه ذهب جمهور الصحابة والتابعين والعلماء من الحجاز والكوفة والشام، كما حكى القاضي عياض. وهي أصل مستقل من أصول الشريعة لورود الدليل بها، فتخصص بها الأدلة العامة، وفيها حفظ للدماء وزجر للمعتدين.
نشهد ولم نر؟ قال: فتبرِّئكم يهود بخمسين يميناً (1)، فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار؟ فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده» (2).
وفي لفظ آخر: «أتحلفون خمسين يميناً، وتستحقون دم صاحبكم» أي يقتص لكم من قاتله.
والحكمة من تشريع القسامة: هي أنها شرعت لصيانة الدماء وعدم إهدارها، حتى لا يهدر (أو يطل) دم في الإسلام، وكيلا يفلت مجرم من العقاب، قال علي لعمر فيمن مات من زحام يوم الجمعة أو في الطواف:«يا أمير المؤمنين، لا يُطلُّ دم امرئ مسلم، إن علمت قاتله، وإلا فأعطه ديته من بيت المال» .
وأما إلزام عصبة أو عاقلة المتهم بالقتل بالقسامة والدية عند الحنفية (3) فبسبب وجود التقصير منهم في الحفاظ على حياة القتيل قبل قتله في الموضع الذي وجد فيه، ولعدم نصرته أو حمايته من اعتداء الجاني عليه، كما في القتل خطأ، كأنهم شُرطة، وبما أن حفظ المحلة عليهم ونفع ولاية التصرف في المحلة عائد إليهم، فهم مسؤولون، والخراج بالضمان على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام (4).
ويلاحظ أن إيجاب الدية بعد القسامة ليس هو الهدف الأصلي من القسامة وإنما الغرض الحقيقي منها: هو إظهار جريمة القتل، وتطبيق القصاص عندما يحس الحالفون بخطورة اليمين، ويتحرجون من حلف اليمين الكاذبة، فيقرون بالقتل، فإذا حلفوا برئوا من القصاص، وثبتت الدية لئلا يهدر دم القتيل، وعلى هذا فإن القسامة لم تشرع لإيجاب الدية إذا نكلوا عن الأيمان.
(1) أي يخلصونكم عن الأيمان بأن يحلفوا، فإذا حلفوا انتهت الخصومة.
(2)
نيل الأوطار: 34/ 7. فعقله النبي صلى الله عليه وسلم أي وداه بمئة من إبل الصدقة كما جاء في لفظ لأحمد.
(3)
البدائع: /7 290، اللباب شرح الكتاب: 172/ 3.
(4)
رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة عن عائشة وضعفه البخاري وصححه الترمذي وغيره.