الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم إن دور التوبة مقصور ـ باتفاق الفقهاء كما سأبين ـ على الحالة التي لم تعرض فيها قضية الجريمة على محاكم القضاء، وفي حقوق المجتمع المحضة (أي حق الله بتعبير فقهائنا) فإن عرضت القضية على الحاكم لم يكن للتوبة تأثير في إسقاط العقوبة. وإن مست الجريمة حقاً شخصياً للفرد لم يَقبَل الحد (أي العقوبة المقدرة شرعاً) الإسقاط أيضاً بالتوبة ولا بغيرها كالإبراء والعفو والتنازل والصلح والمعاوضة.
5) ـ المعاصي التي يتاب منها وكيفية التوبة عنها:
يتناول هذا الموضوع أمرين: تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر، وتقسيم الذنوب إلى ما يكون حقاً لله أو للآدميين.
التقسيم الأول - تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر:
كل معصية في الإسلام تصح التوبة عنها، سواء أكانت من الكبائر أم من الصغائر، ابتداء من جريمة الكفر أو الشرك بالله إلى أدنى المحظورات. والمراد من الصغائر: هي التي تحصل لظرف طارئ كثورة أو غضب، أو نزوة طائشة، ثم يعقبها تأنيب وندم يمحو صفة الإصرار (1). كالنظر إلى ما لا يحل النظر إليه من المرأة الأجنبية (أي التي لا قرابة محرمية منها)، وضرب الخادم بدون ذنب، وسماع الملاهي والأوتار، واللعب بالنرد، ومجالسة شاربي الخمر والفساق والخلوة بالمرأة الأجنبية.
واختلفت عبارات العلماء في تحديد الكبائر:
(1) عن ابن عباس أن رجلاً قال له: الكبائر سبع؟ فقال: هي إلى سبع مئة أقرب، لأنه لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار (تفسير الكشاف: 394/ 1، تفسير المنار: 50/ 5، الإحياء: 28/ 4 وما بعدها.
فقال ابن عمر: كل ما نهي عنه فهو كبيرة.
وقال صحابي آخر: كل ما وعد الله عليه بالنار فهو كبيرة.
وقال بعض السلف: كل ما أوجب عليه الحد في الدنيا فهو كبيرة (1).
وأما غير الصحابة فقال الذهبي: الكبائر: كل ما نهى الله ورسوله عنه في الكتاب والسنة والأثر عن السلف الصالحين (2). وذكر في كتابه (الكبائر) سبعين كبيرة، من أهمها: الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسحر، وأكل الربا، وأكل ما ل اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات (3)، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، والظلم، والغدر، وعدم الوفاء بالعهد، واليمين الغموس (وهي الكاذبة قصداً وعمداً) والرشوة، والقمار، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، والغصب، وإيذاء الناس وشتمهم.
وذكر المفسرون في تفسير المعصية الكبيرة آراء أهمها أربعة (4):
أحدها: إنها المعصية الموجبة للحد.
والثاني: إنها المعصية التي يلحق صاحبها الوعيد الشديد بنص كتاب أو سنة.
والثالث: قال إمام الحرمين وغيره: كل جريمة تنبئ بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة فهي مبطلة للعدالة.
(1) الإحياء: 15/ 4، ط العثمانية المصرية.
(2)
كتاب الكبائر للحافظ الذهبي: ص 7.
(3)
وهذه السبع هي السبع الموبقات في الحديث النبوي الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
تفسير ابن كثير: 487/ 1، ط البابي الحلبي.