الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويترتب على هذا الرأي: أن الولي لو عفا عن القصاص مطلقاً، أو إلى الدية بدلاً عنه، وجبت الدية؛ لأن الواجب غير معين، فإذا ترك أحدهما وجب الآخر، وإن اختار الدية سقط القصاص، وإن اختار القصاص تعين. وفي هذه الحالة الأخيرة: هل له بعدئذ العفو على الدية؟ قال القاضي أبو يعلى الحنبلي: له ذلك؛ لأن القصاص أعلى، فكان له الانتقال إلى الأدنى، ويكون بدلاً عن القصاص. ويحتمل أنه ليس له ذلك؛ لأنه أسقط الدية باختياره القود، فلم يعد إليها.
سابعاً ـ صاحب الحق في القصاص:
صاحب الحق في القصاص أو مستوفيه أو ولي الدم: هو عند الحنفية والحنابلة، والصحيح عند الشافعية (1): كل وارث يرث المال، سواء أكان من ذوي الفروض أم العصبة، أي جميع الورثة نساءً ورجالاً، أزواجاً وزوجات.
وقال المالكية (2): مستحق القصاص هو العاصب الذكر، أي جميع العصبة بالنفس، يقدم الأقرب فالأقرب من العصبة في إرثه إلا الجد والإخوة، فهم في درجة متساوية في القصاص والعفو، فلا دخل في القصاص للبنات والأخوات والزوجات والزوج؛ لأن القصاص لرفع العار، فاختص بالعصبات كولاية الزواج.
وقد تكون المرأة مستحقة القصاص عند المالكية بشروط ثلاثة وهي:
1 -
أن تكون وارثة المقتول كبنت أو أخت، فخرج العمة والخالة ونحوهما من ذوي الأرحام.
(1) البدائع: 242/ 7 وما بعدها، الدر المختار: 383/ 5، حاشية الشلبي علي الزيلعي: 114/ 6، مغني المحتاج: 39/ 4 وما بعدها، المهذب: 183/ 2 وما بعدها، المغني: 739/ 7، 743، كشاف القناع: 621/ 5 وما بعدها.
(2)
الشرح الكبير للدردير: 256/ 4، بداية المجتهد: 395/ 2، الشرح الصغير: 358/ 4.
2 -
ألا يساويها عاصب في الدرجة وفي القوة معاً: بأن لم يوجد أصلاً، أو وجد عاصب أنزل منها درجة، كعم مع بنت أو أخت. فتخرج البنت مع الابن، والأخت مع الأخ، فلا كلام لها معه في عفو ولا قود، أي ليس لها حينئذ طلب القصاص، لتساويهما في الدرجة والقوة معاً، بخلاف الأخت الشقيقة مع الأخ لأب، لها الكلام معه؛ لأنه وإن ساواها في الدرجة هو أنزل منها في القوة.
3 -
أن تكون عصبة فيما لو فرض كونها ذكراً، فلا كلام للأخت لأم، والزوجة، والجدة لأم (1). وللأم المطالبة باستيفاء القصاص، لأنها لو ذكِّرت، كانت أباً؛ لأنها والدة، لكن لا لاكلام لها مع وجود الأب، لمساواة العاصب لها.
وإذا تعدد الورثة، هل يثبت حق القصاص لكل وارث على سبيل الاستقلال، أو على سبيل الشركة؟ رأيان:
الرأي الأول ـ لأبي حنيفة ومالك (2): وهو أن القصاص يثبت لكل وارث على سبيل الاستقلال والكمال؛ لأنه حق مبتدأ لهم بوفاة القتيل؛ لأن المقصود من القصاص في القتلى هو التشفي، والميت لا يتشفى، فيثبت للورثة ابتداء. ثم إن حق القصاص لا يتجزأ، وما لا يتجزأ من الحقوق إذا ثبت لجماعة، يثبت لكل واحد منهم على سبيل الكمال، كأنه ليس معه غيره، كولاية التزويج وولاية الأمان.
الرأي الثاني ـ للشافعية والحنابلة في ظاهر المذهب، والصاحبين (3): وهو أن حق القصاص يثبت لكل وارث على سبيل الشركة؛ لأن الحق في القصاص أصلاً
(1) الشرح الكبير للدردير: 258/ 4، الشرح الصغير: 360/ 4 وما بعدها.
(2)
البدائع: المرجع السابق والمكان السابق، الدردير: 257/ 4، الشرح الصغير للدردير: 360/ 4.
(3)
مغني المحتاج: 40/ 4، المهذب: 188/ 2، المغني: 739/ 7، كشاف القناع: 621/ 5، البدائع: 242/ 7.
هو للمقتول، وبما أنه عجز بالموت عن استيفاء حقه بنفسه، فيقوم الورثة مقامه بالإرث عنه، ويكون مشتركاً بينهم، كما يشتركون في إرث المال.
ويتفرع عن هذا الاختلاف على رأيين: أنه إذا تعدد الأولياء، هل ينتظر لاستيفاء القصاص بلوغ أحد الأولياء إذا كان صغيراً، أو عودته إذا كان غائباً، أو إفاقته من جنونه إذا كان مجنوناً؟
فعلى الرأي الأول: لا ينتظر بلوغ الصغير، ولا إفاقة المجنون، ويكون الحق في الاستيفاء للكبير، والعاقل، وأما الغائب فينتظر لاحتمال عفوه.
وأما على الرأي الثاني: فينتظر بلوغ الصبي، وكمال المجنون بإفاقته، وقدوم الغائب، ولا يجوز حينئذ للكبير أو للحاضر الاستقلال باستيفاء القصاص. وفي هذه الحالة يحبس القاتل حتى يحضر الغائب، ويكمل الصبي والمجنون، ولا يخلى بكفيل.
وإذا لم يكن للمقتول وارث غير جماعة المسلمين، كان الأمر باتفاق الفقهاء إلى السلطان، عملاً بالقاعدة الشرعية:«السلطان ولي من لا ولي له» (1) فإن رأ ى السلطان القصاص اقتص، وإن رأى العفو على مال عفا؛ لأن الحق للمسلمين، فوجب على الإمام أن يفعل ما يراه من المصلحة؛ لأن «تصرف الحاكم على الرعية منوط بالمصلحة» فإن أراد أن يعفو على غير مال لم يجز؛ لأنه تصرف لا مصلحة فيه للمسلمين، فلم يملكه (2).
(1) هذا نص حديث نبوي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها، وحسنه الترمذي، ورواه أحمد وصححه الحاكم وابن حبان.
(2)
المهذب: 188/ 2، البدائع: 245/ 7، المغني: 754/ 7.