الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن أقيم الحد في الحال التي لا تجوز إقامته، فهلك منه، لم يضمن؛ لأن الحق قتله، وإن أقيم في الحال التي لا تجوز إقامته، فإن كانت حاملاً، فتلف منه الجنين وجب الضمان؛ لأنه مضمون، فلا يسقط ضمانه بجناية غيره، وإن تلف المحدود فإذا أقيم الحد في شدة حر أو برد، فهلك لا ضمان عليه. وقال الجمهور: لا ضمان بهلاك المحدود. وسيأتي مزيد بيان له في بحث التعزير.
وأما الرجم فلا يشترط لإقامته عدم خوف الهلاك؛ لأنه حد مهلك، إلا الحامل، فإنه لا يقام عليها الرجم وقت حملها؛ لأنه يؤدي إلى إهلاك ولدها بدون حق، وهو لا يجوز، فيؤخر رجم الحامل حتى تضع حملها؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام رد المرأة الغامدية أو الجهنية حينما
قالت: «فوالله إني لحبلى» . فقال: «إما لا، فاذهبي حتى تلدي» ثم قال: «اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه» (1).
حالة المحدود:
ذهب الجمهور إلى أن المحدود بالرجم إذا كان رجلاً يقام عليه الحد قائماً، ولا يربط بشيء، ولا يمسك، ولا يحفر له، سواء ثبت الرجم بالبينة أم بالإقرار، كما فعل الرسول عليه السلام بماعز، فلم يحفر له (2)، ولأن الحفر له لم يرد به الشرع في حق المحدود فوجب ألا يثبت، ولأن المرجوم قد يفر، فيكون فراره
(1) البدائع، مغني المحتاج، الدسوقي، المغني، المراجع السابقة، وقد سبق تخريج حديث الغامدية، وسيأتي قريباً تخريج حديث الجهنية. ويظهر أن الجهنية هي الغامدية لأن «غامداً» بطن من جهينة.
(2)
رواه مسلم وأحمد وأبو داود عن أبي سعيد الخدري، قال:«لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرجم ماعز بن مالك خرجنا به إلى البقيع، فو الله ما حفرنا له، ولا أوثقناه، ولكن قام لنا، فرميناه بالعظام والخزف (وهي أكسار الأواني المصنوعة من المدر)، فاشتكى فخرج يشتد حتى انتصب لنا في عرض الحرة (وهي أرض ذات حجارة سود) فرميناه بجلاميد (بصخور) الجندل (ما يقله الرجل من الحجارة) حتى سكت» (راجع نصب الراية: 325/ 3، نيل الأوطار: 109/ 7).
دلالة على الرجوع عن قراره، وقد هرب ماعز من أرض قليلة الحجارة إلى أرض كثيرة الحجارة (1).
وإذا كان المحدود امرأة، فقال الحنفية: يخير الإمام في الحفر لها، إن شاء حفر لها وإن شاء ترك الحفر، أما الحفر فلأنه أستر لها، وقد روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم حفر للمرأة الغامدية إلى ثَنْدوتها (أي ثديها)(2). وأما ترك الحفر فلأن الحفر للستر وهي مستورة بثيابها؛ لأنها لا تجرد عند إقامة الحد.
وقال الشافعية: الأصح استحباب الحفر للمرأة إن ثبت زناها بالبينة، لئلا تنكشف، بخلاف ما إذا ثبت زناها بالإقرار لتتمكن من الهرب إن رجعت عن إقرارها.
وقال المالكية والحنابلة: لا يحفر للمرأة، لعدم ثبوته. قال ابن رشد: وبالجملة فإن الأحاديث في ذلك مختلفة. والمشهور عند المالكية أنه لا يحفر للمرجوم حفرة. وقال أحمد (3): أكثر الأحاديث على ألا حفر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحفر للجهنية ولالماعز، ولا لليهوديين (4).
(1) المبسوط: 15/ 9، بداية المجتهد: 429/ 2، المنتقى على الموطأ: 142/ 7، القوانين الفقهية: ص 356، حاشية الدسوقي: 320/ 4، مغني المحتاج: 153/ 4، المغني: 158/ 8، البدائع: 59/ 7، فتح القدير: 128/ 4.
(2)
رواه أبو داود في سننه عن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم امرأة فحفر لها إلى الثندرة، قال الزيلعي: وفيه مجهول. وروى مسلم وأحمد وأبو داود قصة الغامدية، وذكر فيها:«ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها» (راجع جامع الأصول: 294/ 4، نصب الراية: 325/ 3، التلخيص الحبير: ص 353، نيل الأوطار: 109/ 7).
(3)
المراجع السابقة.
(4)
كونه صلى الله عليه وسلم لم يحفر لماعز: ثابت في رواية أبي سعيد الخدري كما سبق بيانه، وأما عدم الحفر للجهنية فهو استدلال بظاهر الحديث الذي رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن إلا ابن ماجه عن عمران بن حصين، فإنه قال:«فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشدت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم صلى عليها» فلم يذكر الحفر، قال ابن حجر في التلخيص:«لكنه استدلال بعدم الذكر، ولا يلزم منه عدم الوقوع» وكذلك الحديث الذي رواه أحمد والشيخان عن ابن عمر في قصة رجم اليهوديين لم يذكر فيه الحفر (راجع التلخيص الحبير: ص 353، نيل الأوطار: 92/ 7، 111، سبل السلام: 11/ 4، جامع الأصول: 277/ 4).