الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل يجب الحد والمهر على الرجل المكرَه على الزنا
؟: الرأي الذي استقر عليه أبو حنيفة أخيراً، ورأي الصاحبين: أنه لا يحد المستكره على الزنا، وإنما عليه الصداق؛ لأنه حيث سقط الحد، يجب المهر للمرأة.
وقال الحنابلة وبعض المالكية: عليه الصداق والحد جميعاً. وقال الشافعية ومحققو المالكية: عليه الصداق فقط، وليس عليه الحد لوجود الشبهة (1) ولحديث:«رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه» (2). والخلاصة: أن الجمهور على الأرجح يرون الصداق على المستكره وليس عليه العقوبة، وأن الحنابلة يوجبون عليه الصداق والعقوبة معاً.
المبحث الرابع ـ إثبات الزنا عند القاضي:
أجمع العلماء على أن الزنا يثبت بالإقرار أو بالشهادة، ولا تثبت حدود الله تعالى كالزنا والسرقة والمحاربة والشرب بعلم القاضي حالة القضاء أو قبل القضاء؛ لأنها تدرأ بالشبهات ويندب سترها (3).
أما الحكمة من اشتراط الحجة لإيقاع العقوبة فواضحة، وهي أن من تمام حكمة الله ورحمته أنه لم يأخذ الجناة بغير حجة، كما لم يعذبهم في الآخرة إلا بعد إقامة الحجة عليهم، وجعل الحجة التي يأخذهم بها إما منهم: وهي الإقرار أو ما يقوم مقامه من إقرار الحال، وهو أبلغ وأصدق من إقرار اللسان، فإن من قامت
(1) راجع بداية المجتهد: 319/ 2، البدائع: 180/ 7، حاشية ابن عابدين: 172/ 3، المهذب: 267/ 2.
(2)
أخرجه الطبراني عن ثوبان.
(3)
مغني المحتاج: 398/ 4، 149، الميزان للشعراني: 154/ 2، المغني: 209/ 8، البدائع: 52/ 7.
عليه شواهد الحال بالجناية كرائحة الخمر وقيئها، ووجود المسروق في دار السارق، وتحت ثيابه، أولى بالعقوبة، ممن قامت عليه شهادة على إخباره عن نفسه التي تحتمل الصدق والكذب. وهذا متفق عليه بين الصحابة، وإن نازع فيه بعض الفقهاء.
وإما أن تكون الحجة من غير الجناة: وهي البينة، واشترط فيها العدالة، وعدم التهمة. وهما شرطان توجبهما العقول والفطر السليمة ويحققان المصلحة (1).
وجعل الصحابة الحمل علامة على الزنا (2) وقد أخذ بذلك المالكية وابن القيم، أما الحنابلة فقالوا: تحد الحامل بالزنا، وزوجها بعيد عنها، إذا لم تدّع شبهة، ولا يثبت الزنا بحمل المرأة وهي خلية لا زوج لها. ولم يأخذ الحنفية والشافعية بإثبات الزنا بالقرائن.
أما البينة: فهي شهادة أربعة رجال، ذكور، عدول، أحرار، مسلمين، على الزنا بأن يقولوا: رأيناه وطئها في فرجها، كالميل في المُكحُلة، على حد تعبير الفقهاء.
يفهم مما ذكر ومما قرره الحنفية أنه يشترط في البينة شروط: بعضها وهي البلوغ والعقل والذكورة والحرية والعدالة والأصالة يعم كل الحدود، وبعضها وهو عدم التقادم يخص الزنا والسرقة وشرب الخمر. والباقي خاص بالزنا (3).
(1) أعلام الموقعين: 100/ 2.
(2)
الطرق الحكمية: ص 97، 214، الشرح الكبير للدردير، المنتقى على الموطأ: باب حد الزنا، المهذب: 266/ 2، القوانين الفقهية: ص 356، مطالب أولي النهي: 193/ 6.
(3)
انظر البدائع: 46/ 7 ومابعدها، فتح القدير: 114/ 4، 161 - 177، تبيين الحقائق للزيلعي: 164/ 3.
1 -
عدد الأربع في الشهود في حد الزنا لقوله تعالى: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} [النساء:15/ 4] وقوله عز اسمه: {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء} [النور:13/ 24] وقوله سبحانه في حد القذف: {والذين يرمون المحصنات، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} [النور:4/ 24]. فإذا شهد ثلاثة، وقال الرابع: رأيتهما في لحاف واحد، ولم يزد عليه: يحد الثلاثة عند الحنفية حد القذف، ولا حد على الرابع؛ لأنه لم يقذف. وإن شهد شهود دون أربعة في مجلس الحكم بزنا حدوا بالاتفاق حد القذف؛ لأن عمر حد الثلاثة الذين شهدوا على المغيرة بالزنا (1).
2 -
التكليف: أي البلوغ والعقل، فلا تقبل شهادة الصبيان والمجانين.
3 -
الذكورة: فلا تقبل شهادة النساء بحال، تكريماً لهن؛ لأن الزنا فاحشة.
وأما الإحصان فيثبت بشهادة الرجال مع النساء عند الحنفية ما عدا زفر.
4 -
العدالة: فلا تقبل شهادة الفاسق ولا مستور الحال الذي لا تعلم عدالته لجواز أن يكون فاسقاً. فإن شهد أربعة بالزنا وهم فساق، أو ظهر أنهم فساق لم يحدوا حد القذف؛ لأن الفاسق من أهل الأداء والتحمل، وإن كان في أدائه نوع قصور لتهمة الفسق.
5 -
الحرية: فلا تقبل شهادة العبيد.
6 -
الإسلام: فلا تقبل شهادة أهل الذمة لعدم تحقق عدالتهم.
7 -
الأصالة: فلا تقبل الشهادة على الشهادة، ولا كتاب القاضي إلى القاضي، لتمكن الشبهة في وقوع الجريمة، والحدود لا تثبت مع الشبهات.
(1) ذكره البخاري في صحيحه.
8 -
اتحاد المشهود به: وهو أن يجمع الشهود الأربعة على فعل واحد، في مكان واحد وزمان واحد.
9 -
اتحاد المجلس: أي أن يكون الشهود مجتمعين في مجلس واحد وقت أداء الشهادة. فإن جاؤوا متفرقين واحداً بعد واحد لا تقبل شهادتهم، ويحدون حد القذف، لقول عمر رضي الله عنه:«لو جاؤوا مثل ربيعة ومضر فرادى لجلدتهم» أي أن المراد اتحاد المجلس عند أداء الشهادة. وهذا عند الحنفية، وأما بقية الفقهاء فلم يقولوا بهذا الشرط.
10 -
أن يكون المشهود عليه الزنا ممن يتصور منه الوطء، فلو كان مجبوباً لاتقبل شهادتهم، ويحدون حد القذف.
11 -
أن يكون المشهود عليه الزنا ممن يقدر على دعوى الشبهة، فإن كان أخرس، لم تقبل شهادتهم، إذ قد يدعي الشبهة لو كان قادراً.
12 -
عدم التقادم من غير عذر ظاهر: وهو شرط في حد الزنا والسرقة وشرب الخمر كما تقدم. ومعناه ألا تمضي مدة بعد مشاهدة الجريمة وأداء الشهادة، منعاً من التهمة وإثارة الفتنة، إذ أن أداء الشهادة بعد مضي مدة من غير عذر ظاهر، يدل على أن الضغينة هي الحاملة على الشهادة، كما قال سيدنا عمر رضي الله عنه:«أيما قوم شهدوا على حد، لم يشهدوا عند حضرته، فإنما شهدوا عن ضغن، ولا شهادة لهم» .
فإذا كان التقادم لعذر ظاهر، كعدم وجود حاكم في موضع أو بُعد مسافة خوف طريق، فلا يمنع من قبول الشهادة.
ومدة التقادم متروك تقديرها إلى اجتهاد القاضي عند أبي حنيفة، لاختلاف