الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأكمل أنواع التوبة ما حدده علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك فيما روى جابر أن أعرابياً دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك، وكبر، فلما فرغ من صلاته قال له علي كرم الله وجهه: إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين، وتوبتك تحتاج إلى التوبة، فقال: يا أمير المؤمنين، ما التوبة؟ قال: «اسم يقع على ستة معان: على الماضي من الذنوب الندامة، ولتضيع الفرائض الإعادة، ورد المظالم، وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعاصي، وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية، والبكاء
بدل كل ضحك ضحكته» (1).
والتوبة المستوفية كامل شرائطها هي التوبة النصوح المشار إليها في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً} [التحريم:8/ 66]. {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى} [طه:82/ 20].
واختلاف العلماء في تحديد هذه التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولاً مجرد اختلاف ظاهري في العبارة، من هذه الأقوال ما قال القرطبي: التوبة النصوح يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان، والإقلاع بالأبدان، وإضمار ترك العود بالجنان ومهاجرة سيء الخلاّن (2).
رابعاً - حكم التوبة شرعاً:
1) ـ وجوب التوبة فورا ً:
اتفقت مصادر الشريعة في القرآن والسنة وإجماع الأمة على وجوب المبادرة إلى التوبة فور وقوع الخطيئة، فمن أخرها زماناً صار عاصياً بتأخيرها (3) وذلك
(1) تفسير الألوسي: 36/ 25.
(2)
انظر تفسير القرطبي: 198/ 18.
(3)
قواعد الأحكام: 188/ 1، رياض الصالحين: ص 12، وتفسير القرطبي: 197/ 18.
حتى يتحقق المقصود الأكمل منها بالتخلص من الأوزار، والظفر بمغفرة الله تعالى في الآخرة، والرضا عن الإنسان في الدنيا، ولتطهير المجتمع من الجرائم، ومنع الاسترسال في الانحراف كيلا تتجدد ظروف العود أو التكرار مرة أخرى في المستقبل، وغير ذلك من وجوه المصلحة المترتبة على التوبة التي يمكن فهمها من الحث المتكرر عليها في القرآن والأحاديث النبوية:
فمن آيات القرآن الكريم قوله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور:31/ 24]{وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً} [هود:3/ 11]{يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً} [التحريم:8/ 66]{إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة، ثم يتوبون من قريب} [النساء:17/ 4]{فإن يتوبوا يك خيراً لهم} [التوبة:74/ 9]{ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه، ثم يستغفر الله، يجد الله غفوراً رحيماً} [النساء:110/ 4].
ومن الأحاديث النبوية المؤكدة للقرآن أو المبينة الموضحة لبعض أحكامه قوله صلى الله عليه وسلم: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» (1)«يا أيها الناس توبوا إلى الله، واستغفروه فإني أتوب في اليوم مئة مرة» (2) وقد استنبط العلماء من هذين الحديثين أنه يستحب للتائب إذا ذكر ذنبه الذي تاب منه أن يجدد الندم على فعله، والعزم على ترك العود إلى مثله، بل ولا يلزم أن تكون التوبة عن ذنب كما ذكرت سابقاً، فلا يعني الحديثان إذن أن النبي صلى الله عليه وسلم يذنب في كل يوم سبعين مرة أو مئة مرة، بل معناه تجديد التوبة وتكريرها عن ذنب واحد صغير (3)
(1) رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
رواه مسلم عن الأغر بن يسار المزني.
(3)
قواعد الأحكام: 287/ 1 وما بعدها،