الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحياة في بيئة العرب، فهي مباحة لجميع الناس، والدولة هي التي تمثل مصالح الجماعة، فلها وضع اليد عليها، وعلى كل الأشياء الضرورية التي تعتبر من قبل الثروات الطبيعية الخام، والصناعات الاستخراجية وإنتاج المواد الأولية، والاستيلاء على المرافق العامة والتي تتغير وتتبدل وتتطور بحسب البيئات والعصور، مثل مختلف الأنهار العامة، والمعادن والنفط ولو وجدت في أرض مملوكة ملكية خاصة، والكهرباء، والمنشآت العامة ونحوها من المرافق الحيوية الأساسية لمصلحة الجماعة. ومما يؤيد وجود الملكية الجماعية: أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين قد اعتبروا بعض الأراضي كالنقيع والرَّبذَة (موضعين قرب المدينة) حمىً في سبيل الله لترعى فيها خيل المسلمين، أي من أجل الصالح العام وهو المعروف بـ (الحمى) قال عليه الصلاة والسلام:«لاحمى إلا لله ولرسوله» (1) أي لا حمى لأحد الأشخاص العاديين.
3 - التأميم أو نزع الملكية الخاصة:
إذا كان المبدأ العام في الإسلام هو الاعتراف بالملكية الفردية وبالحرية الاقتصادية كما أوضحت، فإنه لا مانع من تدخل الدولة لحماية مصلحة الأمة في وقت معين، بأن تتخذ من التدابير ماتجده محققاً للصالح العام، بناء على المبدأ المعروف في الإسلام بالاستحسان والمصالح المرسلة، وقواعد دفع الضرر العام، وأنه يتحمل الضرر الخاص من أجل دفع الضرر العام، وأنه يجب على الجماعة كفاية الجائع والعريان عملاً بالمبدأ الشرعي القائل:(إذا بات مؤمن جائعاً فلا مال لأحد) ولكن بشرط دفع الثمن. وقال عمر قبيل وفاته: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فرددتها على الفقراء» : وهذا ما
(1) أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود عن الصعب بن جثّامة رضي الله عنه.
يجعل النظام الاقتصادي الإسلامي أبعد عن النظام الرأسمالي القائم في أصله على أساس من الحرية الفردية المطلقة.
لذا فإنه يحق للدولة التدخل في الملكيات غير المشروعة، كالملكية الحادثة بالسلب والقهر أو الاغتصاب، فترد الأموال إلى أصحابها أو تصادرها، وتستولي عليها بغير تعويض، سواء أكانت منقولة أم عقارية، لقوله صلى الله عليه وسلم:«على اليد ما أخذت حتى تؤديه» (1) وقوله: «ليس لعرْقٍ ظالمٍ حق» (2)، وقوله:«من زرع أرض قوم بغير إذنهم، فليس له من الزرع شيء وله نفقته» (3).
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشاطر بعض ولاته الذين وردوا عليه من ولاياتهم بأموال لم تكن لهم، استجابة لمصلحة عامة، وهو البعد بالملكية عن الشبهات، وعن اتخاذها وسيلة للثراء غير المشروع، وكذلك يحق للدولة التدخل في الملكيات الخاصة المشروعة لتحقيق العدل في التوزيع، سواء في حق أصل الملكية، أو منع المباح، أو في تقييد حرية التملك الذي هو من باب تقييد المباح، والملكية من المباحات قبل الإسلام وبعده إذا أدى استعمال الملك إلى ضرر عام. وعلى هذا فيحق لولي الأمر العادل أن يفرض قيوداً على الملكية الزراعية، فيحددها بمقدار مساحة معينة، أو ينتزعها من أصحابها إذا عطلها أو أهملها حتى خربت، أو ينزع ملكيتها من أي شخص مع دفع تعويض عادل عنها، إذا اقتضت المصلحة العامة أو النفع العام ذلك.
كماحدث في وقتنا الحاضر من تأميم المصارف والشركات الكبرى، وكما فعل عمر بن الخطاب في سبيل توسعة المسجد الحرام حينما ضاق على الناس،
(1) أخرجه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) والحاكم عن سمرة بن جندب رضي الله عنه.
(2)
أخرجه أبو داود والدارقطني عن عروة بن الزبير رحمه الله تعالى.
(3)
أخرجه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) إلا النسائي عن رافع بن خديج رضي الله عنه.