الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
إنه حد لا يحتمل العفو والصلح والإبراء عنه، بعد ما ثبت بالحجة، لأنه كما تقدم حق خالص لله تعالى، لا حق للعبد فيه، فلا يملك أحد إسقاطه.
2 -
إنه يجري فيه التداخل (1)، حتى لو زنى مراراً لا يجب عليه إلا حد واحد؛ لأن المقصود من إقامة الحد، هو الزجر، وإنه يحصل بحد واحد، لكنه لو زنى فحد، ثم زنى ثانياً حد ثانياً؛ لأنه تبين أن المقصود وهو الزجر لم يحصل بالحد الأول، بدليل وقوعه منه ثانية، فيحد مرة أخرى، رجاء أن يحصل به الزجر المطلوب (2).
الفرق بين حق الله تعالى وحق الآدمي:
حق الله: أمره ونهيه. وحق العبد: مصالحه وتكاليفه، وهو كل ما للعبد إسقاطه. أما حق الله: فهو كل ما ليس للعبد إسقاطه.
وتكاليف الشريعة ثلاثة أقسام بالنسبة لهذه القسمة (3).
1 -
حق الله تعالى فقط كالإيمان وتحريم الكفر.
2 -
وحق العباد فقط كالديون وأثمان الأشياء.
3 -
وقسم اختلف فيه، هل يغلب فيه حق الله، أو حق العبد كحد القذف.
قال القرافي: نعني بحق العبد المحض: أنه لو أسقطه لسقط، كما تبين، وإلا
(1) معنى التداخل: أن الجرائم في حالة التعدد تتداخل عقوباتها بعضها في بعض بحيث يعاقب على جميع الجرائم بعقوبة واحدة.
(2)
انظر البدائع: 55/ 7 وما بعدها.
(3)
الفروق: 141/ 1 وما بعدها، وانظر قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام: 66/ 2.
فما من حق للعبد، إلا وفيه حق لله تعالى: وهو أمره بإيصال ذلك الحق إلى مستحقه، فيوجد حق الله تعالى دون حق العبد، ولا يوجد حق العبد إلا وفيه حق الله تعالى. وإنما يعرف ذلك بصحة الإسقاط، فكل ما للعبد إسقاطه فهو حق العبد، وكل ما ليس له إسقاطه فهو حق الله تعالى.
وقد يوجد حق الله تعالى: وهو ما ليس للعبد إسقاطه، ويكون معه حق العبد، كتحريمه تعالى لعقود الربا والغرر والجهالات، فإن الله تعالى إنما حرمها صوناً لمال العبد عليه، وصوناً له عن الضياع بعقود الغرر والجهل، فلا يحصل المعقود عليه بكامله أو أغلبه، فيضيع المال، فحجر الرب تعالى برحمته على عبده في تضييع ماله الذي هو عونه على أمر دنياه وآخرته، ولو رضي العبد بإسقاط حقه في ذلك، لم يؤثِّر رضاه.
وكذلك حجر الرب تعالى على العبد في إلقاء ماله في البحر، وتضييعه من غير مصلحة، ولو رضي العبد بذلك لم يعتبر رضاه.
وكذلك تحريمه تعالى المسكرات صوناً لمصلحة عقل العبد عليه، وحرم السرقة صوناً لماله، والزنا صوناً لنسبه، والقذف صوناً لعرضه، والقتل والجرح صوناً لنفسه وأعضائه ومنافعها عليه، ولو رضي العبد بإسقاط حقه من ذلك، لم يعتبر رضاه، ولم ينفذ إسقاطه.
فهذه كلها وما يلحق بها من نظائرها مما هو مشتمل على مصالح العباد: حق الله تعالى؛ لأنها لا تسقط بالإسقاط، وهي مشتملة على حقوق العباد، لما فيها من مصالحهم ودرء مفاسدهم. وأكثر الشريعة من هذا النوع كالرضا بولاية الفسقة وشهادة الأراذل ونحوها، فحجر الرب تعالى على العبد في هذه المواطن لطفاً به ورحمة له سبحانه وتعالى.