الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله تعالى أن لهم عقوبة دنيوية، وعقوبة أخروية إلا من تاب، فإن التوبة تسقط عنه العقوبة الأخروية (1).
وقال أكثر العلماء: إن العقوبات الشرعية فضلاً عن أنها أصلاً للزجر في الدنيا، تعتبر تبعاً بالنسبة للمسلم جوابر لسقوط عقوبتها في الآخرة، إذا استوفيت في الدنيا، وفي الكافر زواجر، فإذا نفذت العقوبة على المسلم في الدنيا، فذلك يقيه عذاب الآخرة، فيكون الهدف منها مزدوجاً، للحديث السابق: «الله أعدل من أن يثني على عبده العقوبة في الآخرة
…
» وفي رواية له: «من أذنب فعوقب به في الدنيا لم يعاقب به في الآخرة
…
» ولقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس، فقال: تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن وفَّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئآً من ذلك، فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئاً من ذلك، فستره الله عليه فأمره إلى الله: إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه» (2).
قاعدة الزواجر والجوابر في الشريعة:
قال العز بن عبد السلام والقرافي وصاحب تهذيب الفروق (3): الجوابر:
(1) فتح القدير، والزيلعي، المرجعان السابقان، البحر الرائق: 3/ 5، الدر المختار وحاشية ابن عابدين: 154/ 3، أحكام القرآن للجصاص: 412/ 2.
(2)
رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن عبادة بن الصامت (جامع الأصول: 161/ 1، شرح مسلم للنووي: 223/ 11 وما بعدها، القسطلاني شرح البخاري: 380/ 7، مغني المحتاج: 359/ 3، 2/ 4، حاشية البجيرمي على الخطيب الشربيني على المنهاج، باب الحدود، الأم للشافعي، باب الحدود، الشرح الكبير للدردير: 136/ 4، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام: 150/ 1، غاية المنتهى: 315/ 3).
(3)
قواعد الأحكام: 150/ 1 وما بعدها، الفروق: 213/ 1، تهذيب الفروق: 211/ 1.
مشروعة لجلب مافات من المصالح. والزواجر مشروعة لدرء المفاسد. والغرض من الجوابر: جبر ما فات من مصالح حقوق الله، وحقوق عباده. ولا يشترط أن يكون من وجب عليه الجبر آثماً.
ويفرق بينهما من أربعة وجوه:
1ً - إن الزواجر مشروعة لدرء المفاسد المتوقعة. والجوابر مشروعة لاستدراك المصالح الفائتة.
2ً - إن معظم الزواجر مقررة على العصاة، زجراً لهم عن المعصية، وزجراً لمن يقدم بعدهم على المعصية. وقد تكون مع عدم العصيان، كما في تأديب الصبيان والمجانين، فإنا نزجرهم ونؤدبهم، لا لعصيانهم، بل لدرء مفاسدهم واستصلاحهم. وكقتال البغاة درءاً لتفريق الكلمة، مع عدم التأثيم؛ لأنهم متأولون.
ومعظم الجوابر تقرر على من لا يكون آثماً، بدليل أنه شرع الجبر في حالات الخطأ والعمد والجهل والعلم والنسيان والتذكر، وعلى المجانين والصبيان، بخلاف الزواجر، فإن معظمها لا يجب إلا على عاص زجراً له عن المعصية.
3ً - إن معظم الزواجر إما حدود مقدرة، وإما تعزيرات غير مقدرة، فهي ليست فعلاً للمزجورين، بل يفعلها الأئمة بهم، وإنما الجوابر فعل لمن خوطب بها.
وقد اختلف في بعض الكفارات: هل هي زواجر، لما فيها من مشاق تحمل الأموال وغيرها، أو هي جوابر؛ لأنها عبادات لا تصح إلا بنيات، وليس التقرب إلى الله تعالى زجراً، بخلاف الحدود والتعزيرات، فإنها ليست قربات؛ لأنها ليست فعلاً للمزجورين كما علم. والظاهر أنها جوابر؛ لأنها عبادات وقربات لاتصح إلا بالنية.