الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الغاصب، فالأمر فيه ظاهر، وهو أولى بعدم القطع من المنتهب. وإذا لم تقطع يد هؤلاء، يكف عدوانهم بالضرب والنكال والسجن الطويل، والعقوبة بأخذ المال.
حكم السرقة:
الأصل في مشروعية حد السرقة قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة:38/ 5] وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا
إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه» (1). وفي رواية:«أقاموا عليه الحد» وإذا ثبتت السرقة فالواجب فيها القطع من حيث هي جناية، والغرم إذا لم يجب القطع.
واختلفوا:
هل يجمع بين الضمان والقطع
؟ لا خلاف بين العلماء في أنه إذا قطع السارق، والعين قائمة، ردت على صاحبها، لبقائها على ملكه. فإن كانت تالفة اختلفوا في ضمانها، فقال الحنفية: إذا هلك المسروق، فلا يجتمع على السارق وجوب الغرم (أي الضمان) مع القطع. فإن اختار المسروق منه الغرم لم يقطع السارق، أي قبل وصول الأمر إلى الحاكم. وإن اختار القطع، واستوفي منه لم يغرم السارق؛ لأن الشارع سكت عن الغرم، فلا يجب مع القطع شيء. قال الله تعالى:{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، جزاء بما كسبا} [المائدة:38/ 5] فالله سبحانه جعل القطع كل الجزاء، فلو أوجبنا الضمان، لصار القطع بعض الجزاء، فيكون نسخاً لنص القرآن (2).
(1) رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي عن عائشة، ورواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات عن أم سلمة (راجع جامع الأصول: 314/ 4، مجمع الزوائد: 259/ 6، نيل الأوطار: 131/ 7، 136).
(2)
البدائع: 84/ 7، فتح القدير: 261/ 4، المبسوط: 156/ 9، تبيين الحقائق: 231/ 3، مجمع الضمانات: ص 203.
وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا قطع السارق فلا غرم عليه» (1).
وقال المالكية: إن كان السارق موسراً عند القطع، وجب عليه القطع والغرم، تغليظاً عليه، وإن كان معسراً لم يتبع بقيمته، ويجب القطع فقط، ويسقط الغرم تخفيفاً عنه، بسبب عذره بالفاقة والحاجة (2).
وقال الشافعية والحنابلة: يجتمع قطع وضمان، فيرد ما سرق لمالكه، وإن تلف فيرد بدله، فإذا تلف المسروق في يد السارق ضمن بدله: برد مثله إن كان مثلياً، وقيمته إن كان قيمياً، سواء أكان موسراً أم معسراً، قطع أم لم يقطع، فلا يمنع القطع وجوب الضمان، لاختلاف سبب وجوب كل منهما، فالضمان يجب لحق الآدمي، والقطع يجب لحق الله تعالى، فلا يمنع أحدهما الآخر، كالدية والكفارة، والجزاء والقيمة في قتل الصيد الحرمي المملوك (3).
ويلاحظ أن منشأ الخلاف بين الحنفية وغيرهم: هو قاعدة تملك المضمون عند الحنفية، وهي «أن المضمونات تملك بالضمان، ويستند الملك فيها إلى وقت وجوب الضمان» فلا يجتمع عندهم القطع والضمان؛ لأنه لو ضمن لملك المسروق، واستند ملكه إلى وقت الأخذ، فيحصل القطع في ملك نفسه، وهو لا يجوز.
وقال الشافعي وغيره: لا تملك المضمونات بالضمان، فيجتمع القطع والضمان لتعدد السبب، وعدم إسناد الضمان إلى وقت الأخذ (4).
(1) قال الزيلعي عن حديث «لا غرم على السارق بعد ما قطعت يمينه» : غريب بهذا اللفظ ومثله اللفظ الوارد هنا، وبمعناه ما أخرجه النسائي في سننه عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا يغرم السارق إذا أقيم عليه الحد» قال النسائي: هذا مرسل وليس بثابت، وأخرجه البيهقي أيضاً، وذكر له علة أخرى، وأخرجه الدارقطني في سننه بلفظ:«لا غرم على السارق بعد قطع يمينه» (راجع جامع الأصول: 327/ 4، نصب الراية: 375/ 3، سبل السلام: 24/ 4).
(2)
بداية المجتهد: 442/ 2، حاشية الدسوقي: 346 وما بعدها، القوانين الفقهية: ص360.
(3)
المهذب: 284/ 2، المغني: 270/ 8، غاية المنتهى: 344/ 3.
(4)
تخريج الفروع على الأصول للزنجاني: ص 107.