الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليس له حد مقرر في الشرع، فوجب الرجوع فيه إلى العرف. قال الشافعي: إن حديث رافع: «لا قطع في ثمر» خرج على ما كان عليه عادة أهل المدينة من عدم إحراز حوائطها (بساتينها) فذلك لعدم الحرز. فإذا أحرزت الحوائط (أي البساتين) بالجدران أو الأسلاك الشائكة مثلاً، كانت كغيرها. لكن إذا أخذ الثمر من غير حرز، يجب فيه عند الجمهور دفع قيمته.
وقال الحنابلة: يجب دفع مثلي قيمته، لقوله عليه السلام:«من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خُبْنة، أي (لا يخبئ شيئاً في ثنيات ثيابه) فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئاً بعد أن يؤويه الجرين، فبلغ ثمن المجن، فعليه القطع» (1). فإن استحكم جفاف الثمر أو الحنطة، وجذَّ وآواه الجرين، ثم سرق، قطع السارق؛ لأنه صار مالاً مطلقاً، قابلاً للادخار، وإليه أشار الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال:«لا قطع في ثمر ولا كثَر حتى يؤويه الجرين» الحديث (2).
5 - أن يكون المسروق شيئاً ليس أصله مباحاً:
إذا كان الشيء في أصله مباحاً، كالطيور والتبن والخشب والحطب والقصب والصيود والحشيش والسمك والزرنيخ والطين الأحمر والنُّورة (3) واللَّبِن والفحم
(1) رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأخرج الترمذي عن ابن عمر مرفوعاً:«إذا مر أحدكم بحائط (أي بستان من النخل) فليأكل ولا يتخذ خبنة» قال الترمذي: غريب، وقال البيهقي: لم يصح، وجاء من أوجه أخرى غير قوية. قال ابن حجر: والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح، وقد احتجوا في كثير من الأحكام بما دونها (راجع نصب الراية: 363/ 3، سبل السلام: 97/ 3، جامع الأصول: 318/ 4، 296/ 11، نيل الأوطار: 127/ 7).
(2)
راجع جامع الأصول: 318/ 4.
(3)
النورة: حجر الكلس ثم غلبت على أخلاط تضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره، ويستعمل لإزالة الشعر (المصباح، والقاموس المحيط).
والملح والخزف والزجاج لسرعة كسره، فقد اختلف العلماء في حكم سرقته كما في الشرط السابق.
قال الحنفية: لا قطع فيما كان أصله مباحاً في دار الإسلام، كهذه الأشياء، واستثنوا منها خشب الساج والأبنوس والصندل والقنا (هو عنقود النخل) والخشب المصنوع. ودليله: أن الناس لا يتمولون تلك الأشياء، وإنما توجد بكثرة، وهي مباحة، فيقل خطرها عندهم، فكانت تافهة كالتراب، إلا ما كان غالي القيمة؛ لأنه يتمول عادة فلا يكون تافهاً، وهو ما استثنوه. ولأنها أيضاً من الأمور التي يشترك فيها الناس جميعاً، فبالنظر للشبهة التي فيها لكل مالك، لا يقطع سارقها، مراعاة لأصلها (1).
ويلاحظ أن اعتماد أبي حنيفة في هذا الشرط على معنى التفاهة وعدم المالية، لا على إباحة الجنس؛ لأن ذلك موجود في الذهب والفضة.
وعليه إذا أصبحت هذه الأشياء من جملة الأموال المعتبرة وجب الحد بسرقتها.
وقال المالكية والشافعية والحنابلة (2): يقطع سارق الأموال، سواء أكانت مما أصله مباح، كالصيد والماء والحطب والحشيش والمعادن، أم غير مباح لعموم الآية الموجبة للقطع، وعموم الآثار الواردة في اشتراط النصاب، ولأنها مال محرز (3)، وهذا هوالأرجح لدي، لتمول الناس هذه الأشياء، وإحرازهم لها.
(1) المبسوط: 153/ 9، فتح القدير: 226/ 4، تبيين الحقائق: 219/ 3، البدائع: 68/ 7، حاشية ابن عابدين: 217/ 3.
(2)
حاشية الدسوقي: 334/ 4، الميزان: 167/ 2، بداية المجتهد: 441/ 2، المهذب: 278/ 2، المغني: 246/ 8، المنتقى على الموطأ: 156/ 7، القوانين الفقهية: ص 359، غاية المنتهى: 337/ 3.
(3)
قال الزنجاني الشافعي في تخريج الفروع على الأصول: ص 186: استصحاب حكم العموم إذا لم يقم دليل الخصوص متعين عند القائلين بالعموم، وعليه بنى الشافعي رضي الله عنه معظم مسائل السرقة. ويتفرع عليه أن حد القطع يتعلق بسرق ما أصله على الإباحة عند الشافعي رضي الله عنه، تمسكاً بعموم قوله تعالى:{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة:38/ 5] وعموم الآية يقتضي إيجاب القطع في كل ما يسمى آخذه سارقاً، فكل من يطلق عليه اسم السارق مقطوع بحكم العموم إلا ما استثناه الدليل.