الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما
القسم الثالث:
وهو أن يجتمع حدود الله، وحدود الآدميين: وهذه ثلاثة أنواع:
أحدها ـ ألا يكون فيها قتل:
فقال الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة: تستوفى كلها إلا أن المالكية قالوا بتداخل حد الشرب وحد القذف؛ لأن الغرض من العقوبتين واحد، وهو منع الافتراء.
ثانيها ـ أن يكون فيها قتل:
فقال الجمهور: حدود الله تعالى تدخل في القتل. وأما حقوق الآدميين، فتستوفى كلها.
وقال الشافعي: تستوفى الحدود جميعهاً؛ لأنها حدود وجبت بأسباب، فلم تتداخل.
ثالثها ـ أن يتفق الحقان في محل واحد
، فإن اجتمع حقان: أحدهما لله، والآخر لآدمي، كالقصاص والرجم في الزنى، قدم القصاص عند العلماء، لتأكد حق الآدمي، وبه يتحقق أيضاً حق الله تعالى.
ثانياً ـ إسقاط الحدود بالتوبة:
إذا تاب العصاة ما عدا المحاربين من شاربي الخمر والزناة والسراق، فلا يسقط الحد عند الحنفية والمالكية والشافعية في الأظهر عندهم، وذلك سواء بعد رفع الأمر إلى الحاكم أو قبله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسقط الحد عن ماعز، حينما جاءه، وأقر بالزنى، ولا شك أنه لم يأت، إلا وهو تائب، ونحوه من الحدود، فإنه لم يرد نص في إسقاط الحد عن هؤلاء.
واستثنى الكاساني في البدائع حد السرقة العادية، فإنه يسقط بتوبة السارق قبل أن يظفر الحاكم به، وبشرط رد المال إلى صاحبه. وقال ابن عابدين: الظاهر أن
التوبة لا تسقط الحد الثابت عند الحاكم بعد الرفع إليه. أما قبله فيسقط الحد بالتوبة حتى في قطاع الطرق، سواء أكان قبل جنايتهم أم بعدها.
وقال أحمد في أظهر الروايتين عنه: التوبة تسقط الحد عنهم من غير اشتراط مضي الزمان، لقوله صلى الله عليه وسلم:«التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (1) وقوله عليه الصلاة والسلام: «التوبة تجبُّ ما قبلها» (2)، ولأن في إسقاط الحد ترغيباً في التوبة، وذلك ما عدا حد القذف، فإنه لا يسقط لأنه حق آدمي. وبه يظهر أنه ليس هناك إجماع ـ كما زعم بعضهم ـ على أن التوبة لا تسقط الحد في الدنيا.
أما حد المحاربة: فلا خلاف بين العلماء كما تقدم: أن قطاع الطرق إن تابوا قبل القدرة عليهم، فتسقط عنهم حدود الله تعالى، لقوله سبحانه في آية المحاربين:{إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم، فاعلموا أن الله غفور رحيم} (3)[المائدة:34/ 5].
(1) رواه ابن ماجه والطبراني في الكبير والبيهقي عن عبد الله بن مسعود، ورجال الطبراني رجال الصحيح إلا أن أبا عبيدة راوي الحديث عن أبيه عبد الله لم يسمع منه، ورواه ابن أبي الدنيا والبيهقي مرفوعاً أيضاً من حديث ابن عباس، وزاد «والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه» وقد روي بهذه الزيادة موقوفاً ولعله أشبه، بل هو الراجح، كما قال المنذري. وروى الطبراني عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الندم توبة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له» قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم (راجع الترغيب والترهيب: 97/ 4،المقاصد الحسنة: ص 152، مجمع الزوائد: 200/ 10).
(2)
المعروف أن التوبة تصح بالإسلام، والإسلام يجب ما قبله، وقد ذكر حديث «التوبة تجب ما قبلها» في مغني المحتاج للخطيب: 184/ 4، وراجع مجمع الزوائد: 31/ 1، 199/ 10 وما بعدها، وذكره أيضاً ابن قدامة في المغني: 201/ 9، كما ذكر حديثاً آخر وهو «الندم توبة» رواه الطبراني في الصغير عن أبي هريرة ورجاله وثقوا وفيهم خلاف (مجمع الزوائد: 199/ 10).
(3)
راجع البدائع: 96/ 7، فتح القدير: 272/ 4، رد المحتار: 154/ 3، الفروق للقرافي: 181/ 4، مغني المحتاج: 184/ 4، المهذب: 285/ 2، الميزان: 169/ 2، حاشية قليوبي وعميرة: 201/ 4، المغني: 295/ 8 وما بعدها، القوانين الفقهية: ص 357، 362 وما بعدها، السياسة الشرعية لابن تيمية: ص 67، وانظر أعلام الموقعين: 78/ 2، 19/ 3، 398/ 4، وراجع إحياء علوم الدين للغزالي: 14/ 4 وما بعدها، غاية المنتهى: 345/ 3 ومابعدها.