الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سادساً ـ كيفية وجوب القصاص (أو مدى لزوم القصاص، أو موجب العمد):
يجب القصاص من القاتل إلا إذا عفا عنه ولي القتيل. فإذا عفا، هل يلزم القاتل بالدية أو لا؟
قال الحنفية والمالكية، والشافعية في ظاهر مذهبهم الراجح عندهم وفي رواية عن أحمد (1): موجَب (2) القتل العمد هو القَود عيناً أي متعيناً، لقوله تعالى:{كتب عليكم القصاص في القتلى} [البقرة:178/ 2] وهذا يفيد تعين القصاص واجباً متعيناً للعمد، ولقوله عليه الصلاة والسلام:«من قتل عمداً فهو قَود» (3)، ولأن القصاص بدل شيء متلف، فتعين الجزاء من جنسه، كسائر المتلفات.
ويحسن إيراد عبارة الشافعية فيه وهي: موجب العمد القود عيناً، والدية بدل عند سقوطه، وفي قول: موجب العمد: أحدهما (القصاص والدية) مبهماً، وعلى القولين: للولي عفو على الدية بغير رضا الجاني، وعلى الأول: لو أطلق العفو فالمذهب لا دية.
وبناء على هذا الرأي: قال الحنفية والمالكية والشافعية على المذهب: لو عفا ولي القتيل عن القصاص مطلقاً، أي دون مطالبة بالدية، لا يلزم الجاني بالدية جبراً عنه، وإنما له باختياره أن يدفعها في مقابل العفو عنه. وللولي أن يعفو مجاناً أو يقتص، أي ليس له إن أراد أخذ جزاء الجناية إلا القود، لا الدية. ويجوز العفو على الدية أو أكثر أو أقل برضا الجاني، وتعد الدية حينئذ بدلاً عن القصاص. ولو
(1) البدائع: 241/ 7، الدر المختار: 376/ 5، الشرح الكبير للدردير: 239/ 4، بداية المجتهد: 394/ 2، مغني المحتاج: 48/ 4، المهذب: 188/ 2، المغني: 752/ 7، كشاف القناع: 633/ 5.
(2)
موجب العمد، أي مقتضاه في الاعتداء على نفس أو غيرها.
(3)
رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح.
تعدد الأولياء فبادر أحدهم، فقتل الجاني قبل إبداء الآخرين رأيهم، سقط حق الباقين في القصاص ولا دية لهم، ويترتب على اعتبار الدية بدلاً من القصاص أنه لا يجوز للقاضي أن يجمع بين عقوبة وبدلها جزاء عن فعل واحد.
وقال الحنابلة عملاً برواية أخرى عن أحمد هي الراجحة عندهم (1)، وفي قول عند الشافعية: ليس القصاص واجباً عيناً، وإنما الواجب بقتل العمد أحد شيئين: القصاص أو الدية. وللولي خيار التعيين: إن شاء استوفى القصاص، وإن شاء أخذ الدية من غير توقف على رضا القاتل. ويعتبر التعزير بدلاً عن الدية. ودليلهم قوله تعالى:{فمن عفي له من أخيه شيء، فاتباع بالمعروف، وأداء إليه بإحسان} [البقرة:178/ 2] ومعناه فليتتبع القاتل، وليؤد القاتل الدية، فالله أوجب الاتباع بمجرد العفو، ولو أوجب العمد القصاص عيناً، لم تجب الدية عند العفو المطلق. ثم إن الدية أحد بدلي النفس، فكانت بدلاً عنها، لا عن بدلها كالقصاص. وأما حديث «من قتل عمداً فهو قود» فالمراد به وجوب القود. ويخالف القتل سائر المتلفات؛ لأن بدلها لا يختلف بالقصد وعدمه، والقتل بخلافه.
وأضاف الحنابلة أدلة أخرى، منها قول ابن عباس: كان في بني إسرائيل القصاص، ولم يكن فيهم الدية، فأنزل الله تعالى هذه الآية:{كتب عليكم القصاص في القتلى} [البقرة:178/ 2](2) وعن أبي هريرة مرفوعاً: «من قتل له قتيل، فهو بخير النظرين: إما أن يُودِي (3)، وإما أن يقاد» (4).
(1) كشاف القناع: 633/ 5.
(2)
رواه البخاري.
(3)
وديت القتيل: إذا أعطيت ديته. واتديته: أخذت ديته.
(4)
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة.