الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شروط العفو:
يشترط شرطان في العفو (1):
1 -
أن يكون العافي بالغاً عاقلاً، فلا يصح عفو الصبي والمجنون؛ لأنه تصرف ضار بهما ضرراً محضاً، فلا يملكانه، كالطلاق، والهبة.
2 -
أن يصدر العفو من صاحب الحق فيه؛ لأن العفو إسقاط الحق، وإسقاط الحق لا يقبل ممن لا حق له.
وصاحب الحق في العفو: هو الورثة رجالاً ونساء عند الجمهور، والعاصب الذكر عند المالكية.
ومن لا حق له في العفو: هو الأجنبي غير الوارث عند الجمهور، وغير العاصب عند المالكية، وكذا الأب والجد في قصاص وجب للصغير عند المالكية والحنفية؛ لأن الصغير هو صاحب الحق، ولأبيه وجده ولاية الاستيفاء فقط، كما أن العفو ضرر محض، فلا يملكه أحد سوى الصغير بعد البلوغ، حتى الحاكم لا يملكه، والسبب فيه أن العفو معناه التنازل مجاناً. وأجاز الشافعية والحنابلة للأب والجد والحاكم العفو على مال.
أحكام العفو:
للعفو أحكام، منها ما يأتي:
1 ً) ـ
أثر العفو في إسقاط القصاص والدية:
يترتب على العفو عن القاتل عند الحنفية والمالكية (2) إسقاط القصاص مجاناً. وليس للعافي حينئذ الحق في أخذ
(1) البدائع: 246/ 7، بداية المجتهد: 395/ 2، الشرح الكبير: 258/ 4 ومابعدها، مغني المحتاج: 48/ 4، كشاف القناع: 634/ 5، المغني: 743/ 7.
(2)
البدائع: 247/ 7، الشرح الكبير للدردير: 239/ 4 وما بعدها.
الدية إلا من طريق الصلح، أي الاتفاق مع الجاني لدفع الدية برضاه؛ لأن موجب العمد عندهم هو القود عيناً. ولكن وجوب القود لا ينافي أن للولي العفو مجاناً، أوأخذ الدية برضا الجاني.
وقال الشافعية والحنابلة (1): للولي الحق المطلق في العفو، فإن عفا عن القصاص سقط، وإن عفا على الدية، وجبت على الجاني ولو بغير رضاه، لما روى البيهقي عن مجاهد وغيره:«كان في شرع موسى عليه السلام تحتم القصاص جزماً، وفي شرع عيسى عليه السلام الدية فقط، فخفف الله تعالى عن هذه الأمة وخيرها بين الأمرين» لما في الإلزام بأحدهما من المشقة، ولأن الجاني محكوم عليه فلا يعتبر رضاه.
وإذا أطلق الولي العفو أو بعبارة أخرى، إذا صدر العفو من الولي مطلقاً عن القود، ولم يتعرض للدية بنفي ولا إثبات، فالمذهب عند الشافعية: أنه لا دية؛ لأن القتل يوجب القود عيناً على الراجح عندهم، ولم يوجب الدية، والعفو إسقاط شيء ثابت، لا إثبات أمر معدوم. وكذلك قال المالكية: لا دية لعاف مطلق في عفوه إلا أن تظهر بقرائن الأحوال إرادتها، فيحلف على مراده (2).
وتجب الدية عند الحنابلة في هذه الحالة، لانصراف العفو إلى القود؛ لأنه في مقابلة الانتقام، والانتقام إنما يكون بالقتل، ولقوله تعالى:{فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف، وأداء إليه بإحسان} [البقرة:178/ 2] أي اتباع المال، وذلك يشعر بوجوبه بالعفو (3).
(1) مغني المحتاج: 48/ 4، كشاف القناع: 633/ 5 وما بعدها، المهذب: 188/ 2، المغني: 743/ 7.
(2)
الشرح الكبير للدردير: 240/ 4.
(3)
وهل بالعفو عن القاتل يبرأ القاتل في الدنيا فقط أو أنه يبرأ أيضاً فيما بينه وبين الله تعالى؟ قال الحنفية: يبرأ القاتل بالعفو عن القصاص والدية، ولكن لا يبرأ عن ظلمه، ولو بالتوبة لتعلق حق المقتول به، وأثر التوبة هو في إسقاط ظلم القاتل نفسه بإقدامه على المعصية. لكن الجمهور قالوا: يبرأ القاتل بالعفو في الدنيا والآخرة (رد المحتار: 389/ 5).