الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالطعام المستثنى يشمل كل ما أنبتته الأرض كالقمح، وما لم تنبته كاللبن والعسل. وغير الطعام الذي تنبته الأرض، ولا يجوز الكراء به مثل القطن والكتان والعصفر والزعفران.
والسبب في استثناء الطعام هو عدم الوقوع في الربا ببيع الطعام بالطعام لأجل. وأما استثناء غير الطعام مما تنبته الأرض فسببه وجود الغرر في هذا العقد (أي احتمال أن تخرج الأرض قدر ما أكرى به المكتري أو أقل أو أكثر) ووجود الجهالة أيضاً أي العقد على معلوم هو الأرض بمجهول وهو ما يخرج منها. وكل من الغرر والجهالة يوجب المشاجرة. وعلى هذا فإن المساقاة و
المزارعة
جائزة عند المالكية. أما المساقاة فهي عقد بين صاحب الأرض والعامل على القيام بخدمة أو مؤنة شجر مثمر كنخل أو كرم عنب بجزء معلوم من الثمرة للأجير. ويجوز أن يضم إليه تباعاً استثمار جزء من الأرض بشرط أن يكون قليلاً بأن تكون أجرته بالنسبة للأجرة الكلية من الثمرة الثلث فأقل.
والمزارعة: هي المعاملة على استغلال الأرض ببعض مايخرج منها، وتجوز عند المالكية بشرط خلوها من كراء الأرض بممنوع بأن لاتقع الأرض أو بعضها في مقابلة بذر، أو طعام ولو لم تنبته، أو ماتنبته ولو غير طعام، كما تقدم. ولم يجز أبو حنيفة المزارعة، ويرى الشافعية عدم صحة المزارعة إلا تبعاً للمساقاة، وتعسر إفراد الشجر بالسقي وبياض الأرض التي لازرع فيها بالعمارة، أي الاستثمار.
ودليل المالكية على ماذهبوا إليه: ما رواه رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه، ولايكرها بثلث ولا بربع ولا بطعام معين» (1) واستكراء الأرض بالحنطة يعرف بالمحاقلة وقد نهى عنها
(1) أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي.
النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر، وهذا دليلهم على منع كراء الأرض بالطعام. أما حجتهم على منع كراء الأرض
مما تنبت فهو ماورد من نهيه صلى الله عليه وسلم عن المخابرة (1): وهي كراء الأرض مما يخرج منها.
3 -
مذهب أبي يوسف ومحمد من الحنفية، والحنابلة، والثوري والليث وابن أبي ليلى والأوزاعي وجماعة: يجوز كراء الأرض بكل شيء، ولو بجزء مما يخرج منها. وهذا ما عليه المسلمون في كل مكان، لأن ذلك كراء منفعة معلومة (وهي العمل في الأرض) بشيء معلوم (وهو الأجرة)، فجاز قياساً على إجارة سائر المنافع مثل سكنى الدور واستعمال الحوانيت ونحوها. ويؤكد ذلك من ناحية الأثر حديث ابن عمر الثابت:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر مايخرج منها من ثمر أو زرع» (2)، أي دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم على نصف ماتخرجه الأرض والثمرة. ورويت أحاديث أخرى بمعناه عن ابن عباس وأبي هريرة، وكان كل المهاجرين في المدينة يزرعون على ثلث أو ربع إنتاج الأرض، وقد زارع علي كرم الله وجهه وسعد بن مالك وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل علي وآل عمر، ومعاذ بن جبل في عهد النبي والخلفاء الراشدين.
ورد هؤلاء على أحاديث غيرهم بأن أحاديث رافع ضعيفة لأنها مضطربة المتون أي متغايرة الألفاظ. وإن فرض كونها صحيحة فهي محمولة على الكراهية لا الحظر أو الحرمة، بدليل ما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه قال:«إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها» ولكن قال: «إن يمنح أحدكم أخاه يكن خيراً له من أن يأخذ
(1) أخرجه أبو داود عن زيد بن ثابت رضي الله عنه.
(2)
أخرجه الجماعة (أحمد وأصحاب الكتب الستة) عن ابن عمر رضي الله عنه (نيل الأوطار: 272/ 5).