الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
....................
خاتمة
.........................................
يتبين من هذا البحث أن للتوبة نظاماً دقيقاً في الشريعة الإسلامية، إذ إنه قد يُكشَف عن الجريمة، فيبادر الجاني إلى الإقرار بمعصيته أمام القاضي، وللقاضي حينئذ توقيع العقوبة عليه، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فيمن أقر بالزنا أمامه، وهو رأي ابن تيمية وابن القيم.
وقد تساعد التوبة على التقليل من الجرائم بإصلاح الجاني من نفسه ورده الحقوق لأصحابها بدافع ذاتي واقتناع داخلي، إذا توافرت شرائط التوبة الشرعية، فكانت توبة صادقة نصوحاً.
ثم إنه قد تكون التوبة دليلاً على تحقيق الولاء والطاعة السياسية فتحقن دماء كثيرة، ولا تهدر الكرامة الإنسانية في سبيل دعم الحكم، فتتخلص الأمة من شر كبير وفساد عظيم وقعت به في الماضي حين قام بعض الحكام بالبطش بخصومهم المعارضين لسياستهم، كما يظهر في توبة البغاة والخوارج وقطاع الطرق.
وقد تكون التوبة أيضاً سبيلاً سهلاً لتوفير احترام العقيدة والنظام الإسلامي، كما في توبة المنافقين والمرتدين والزنادقة.
لهذا كله أقِرّ الرأي القائل بإسقاط الحدود والتعزيرات بالتوبة إذا كانت الجريمة ماسة بمصلحة المجتمع (حق الله) ما لم يرفع في شأنها دعوى إلى القضاء، أما إذا كانت الجريمة متعلقة بحق شخصي (حق الفرد) أو رفع في شأنها دعوى إلى القضاء، فمن العدل والمنطق ألا تسقط التوبة العقوبة إطفاء لنار الفتنة. ودفعاً للضرر عن المجني عليه، وشفاء لألم المصاب، واستئصالاً للجريمة، فلا يتجرأ أحد على الاعتداء على حقوق الآخرين في نفس أو مال أو عرض.
وهذا هو رأي الحنابلة والشيعة الإمامية وبعض فقهاء المذاهب الأخرى في نطاق الحدود الثلاثة: (حد الزنا والسرقة وشرب الخمر)، وهو رأي الفقهاء عامة فيما يبدو بالنسبة للتعازير، وبقية الحدود الأخرى.
وفي ذلك مصلحة للمؤمنين بشرائع الإسلام في وقت عطلت فيه الحدود الشرعية، ولم يبق أمام المؤمن الصادق سوى التوبة لتكفير خطاياه.
والله الموفق والهادي إلى سواء الصراط، أخرج الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله: «يا ابن آدم، إنك مادعوتني ورجوتني غفرت لك على ماكان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو لقيتني بقُراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لاتشرك بي شيئاً، لأتيتك بقُرابها مغفرة» .