الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عند ك» وهذا من باب ما لم يضمن، ومعناه: مالم يقبض، لأن السلعة قبل تلفها ليست في ضمان المشتري، لأنه ربما هلك، فانفسخ العقد، وفيه غرر من غير حاجة، فلم يجز، فالعلة في منع البيع هي الغرر (1).
وأما المعتمد عند الحنفية وهو رأي الشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف فهو التفصيل، وهو أنه لا يجوز التصرف في المبيع المنقول قبل القبض، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما لم يقبض، والنهي يوجب فساد المنهي عنه، ولأنه بيع فيه غرر الانفساخ بهلاك المعقود، أي إنه يحتمل الهلاك، فلا يدري المشتري: هل يبقى المبيع أو يهلك قبل القبض، فيبطل البيع الأول، وينفسخ الثاني، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فيه غرر، كما تقدم.
وأما
العقار:
كالأراضي والدور، فيجوز بيعه قبل القبض، استحساناً استدلالاً بعمومات البيع من غير تخصيص، ولا يجوز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد، ولا غرر في العقار، إذ لا يتوهم هلاك العقار، ولا يخاف تغيره غالباً بعد وقوع البيع وقبل القبض، أي إن تلف العقار غير محتمل، فلا يتقرر الغرر (2). والخلاصة: أن العلة في مذهب الحنفية في عدم جواز بيع الشيء قبل قبضه هي الغرر، كما قال الشافعية.
وبما أن السلع التي تباع في البورصة (بيع الكنتراتات) هي منقولات لها مقدرات مثلية، وليست عقارات، فلا يجوز بيعها قبل قبضها عند الحنفية والشافعية.
(1) مغني المحتاج: 68/ 2، المهذب: 264/ 1.
(2)
فتح القدير: 193/ 4، البدائع: 139/ 5.
ويكون البيع فاسداً عند الحنفية باطلاً عند الشافعية، لأنه يتم فيه البيع قبل القبض وبثمن مختلف.
أما المالكية: فإنهم قصروا المنع في بيع الشيء قبل قبضه على بيع الطعام (1) خاصة، إذا بيع بالكيل أو الوزن أو العد، أما غير الطعام أو الطعام المبيع جزافاً: فيجوز بيعه قبل قبضه، لغلبة تغير الطعام بخلاف ما سواه، ولمفهوم حديث ابن عمر الذي رواه أصحاب الكتب الستة ما عدا ابن ماجه أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال:«من ابتاع طعاماً، فلا يبعه حتى يقبضه» . والعلة في منع بيع الطعام قبل قبضه عندهم: هي أنه قد يتخذ ذريعة للتوصل إلى ربا النسيئة، فهو شبيه ببيع الطعام بالطعام نسيئة، فيحرم سد اً للذرائع (2).
وأما الحنابلة: فقالوا: لا يجوز بيع الشيء قبل قبضه إذا كان كيلاً أو موزوناً أو معدوداً أي المقدرات، لسهولة قبض المكيل والموزون والمعدود عادة، فلا يتعذر عليه القبض، واستدلالاً بمفهوم حديث الطعام السابق، فإن تخصيصه الطعام بالنهي عن بيعه قبل قبضه، يدل على إباحة البيع فيما سواه، ولم يصح غيره من الأحاديث. واشتراط الكيل أو الوزن أو العد، لأن المكيل والموزون والمعدود لا يخرج من ضمان البائع إلى ضمان المشتري إلا بالكيل أو الوزن أو العدد، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يضمن. فالعلة في منع البيع عندهم هي الغرر كما قال الحنفية (3).
وأما غير المكيل والموزون والمعدود، أي غير المقدرات، فيصح عند الحنابلة بيعه قبل قبضه.
(1) يشمل الطعام عنده كل ما تجب فيه الزكاة من الحبوب والأدم بجميع أنواعهاكالزيت والعسل ونحوها.
(2)
المنتقى على الموطأ: 279/ 4، بداية المجتهد: 142/ 2.
(3)
المغني: 110/ 4، 113 وما بعدها.
وبناء عليه يصح عند المالكية للمشتري التصرف في المبيع قبل قبضه، سواء كان البيع أعياناً منقولة أو أعياناً ثابتة كالأرض والنخيل ونحوها إلا الطعام المكيل أو الموزون أو المعدود. ويصح عند الحنابلة بيع غير المكيل أو الموزون أوالمعدود. فما يجري داخل البورصة من بيع العقود قبل قبضها يصح في هذين المذهبين بالتخلية، أي بتسليم البائع المبيع وقبض المشتري برفع الحوائل وإزالة المانع.
وأما الظاهرية: فأجازوا بيع الشيء قبل قبضه إلا القمح خاصة، سواء بيع كيلاً أو وزناً أوجزافاً، عملاً بظاهر النهي في الحديث، والطعام عندهم لا يكون إلا في القمح. ومعنى القبض: أن يطلق
البائع يد المشتري في المبيع، بألا يحول بينه وبينه (1).
وأما الإمامية: فقالوا: لا بأس ببيع ما لم يقبض، ويكره فيما يكال أو يوزن، وتتأكد الكراهية في الطعام، وقيل: يحرم (2).
وأما الزيدية: فأجازوا بيع الشيء قبل القبض إن كان مما لا يكال ولا يوزن، ومنعوا في الأظهر البيع بالربح فيما يكال أو يوزن قبل القبض (3).
والظاهر رجحان رأي الشافعية، لعموم النهي عن بيع الشيء قبل قبضه في حديث حكيم بن حزام، دون قصره على الطعام، ويكون حديث النهي عن الطعام في حالة من حالات النهي لا تمنع غيرها، وهو احتجاج بالمفهوم المخالف من الحديث، والمنطوق في حديث حكيم بن حزام مقدم عليه، ويؤيده حديث زيد بن ثابت الذي أخرجه أبو داود بسند صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث
(1) المحلى: 292/ 1، 297.
(2)
المختصر النافع في فقه الإمامية: ص 148.
(3)
منهاج الصالحين: 51/ 2.