الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن كان لا يموت في مثلها غالباً، كان القتل شبه عمد عند الحنابلة. وفصل النووي في المنهاج في هذه الحالة، فقال: إن لم يكن به جوع وعطش سابق فشبه عمد. وإن كان به بعض جوع أو عطش، وعلم الحابس الحال، كان القتل عمداً، لظهور قصد الاهلاك.
9 ـ القتل تخويفاً أو إرهاباً:
يحدث القتل أحياناً بفعل معنوي غير مادي، كالتخويف والإرهاب، والصيحة الشديدة ونحوها من الأمثلة التالية:
ـ من شهر سيفاً في وجه إنسان، أو دلَاّه من مكان شاهق، فمات من روعته، أو ذهب عقله.
ـ لو صاح إنسان بصبي أو مجنون أو معتوه صيحة شديدة، وهو على سطح أو حائط ونحوهما، فوقع فمات، أو ذهب عقله.
ـ لو تغفل أحد بالغاً عاقلاً، فصاح به، فأصابه ذلك.
ـ لو طلب الحاكم امرأة إلى مجلس القضاء، فأجهضت جنينها فزعاً، أو زال عقلها.
ـ لو ألقى على إنسان حية، ولو كانت ميتة، فمات فزعاً ورعباً.
ففي كل هذه الأحوال: لا ضمان لديته عند الحنفية لعدم تعدي السبب، أي لم يكن المذكور سبباً كافياً للضمان، إذ ليس السبب متصلاً بالنتيجة قطعاً، وذلك إذا لم يكن التخويف فجأة. فإن كان الصياح ونحوه على إنسان فجأة، فمات من صيحته أو قال له: قع، فوقع، فهو قاتل له قتلاً شبه عمد، فتجب الدية (1).
(1) الدرالمختار: 397/ 5، مجمع الضمانات: 172، اللآلئ الدرية في الفوائد الخيرية بهامش جامع الفصولين: 112/ 2، ط الأولى بالأزهرية.
وقال المالكية (1): يكون المتسبب فيما ذكر في غير حال الإجهاض قاتلاً عمداً يجب عليه القصاص إن كان على وجه العداوة. أما إن كان على وجه اللعب أو التأديب فعليه الدية.
وقال الشافعية والحنابلة (2): إن فعل ما ذكر عمداً فهو شبه عمد موجب الدية، وإلا فهو خطأ؛ لأنه سبب إتلافه. ووافق الشافعية على هذا في الصبي. ولهم في البالغ قولان: تجب الدية؛ لأن الفاعل مسؤول عن فعله ما دام قد أدى للموت، والبالغ في حال غفلته يفزع من الصيحة كما يفزع الصبي. وقيل في وجه آخر: لا تجب الدية؛ لأن البالغ بما يتميز به عادة من ضبط الأعصاب لا يفزع مع الغفلة، وإن فزع فنادراً، ولا حكم للنادر.
إلا أن هذين المذهبين اختلفا في حالة الاجهاض من الفزع، فإن أجهضت المرأة، فاتفقا على ضمان الجنين إذا ألقته أمه ميتاً، لقصة عمر الآتية. وأما إن فزعت المرأة فماتت، فقال الشافعية: لم تضمن ديتها؛ لأن ما حدث ليس بسبب لهلاكها في العادة.
وقال الحنابلة: تجب ديتها أيضاً؛ لأن الحاكم أفزعها، فكان متسبباً في موتها.
وأما قصة عمر: فهي أنه أرسل إلى امرأة مُغِيبة (3)، كان يدخل عليها، فقالت: يا ويلها، ما لها ولعمر، فبينا هي في الطريق فزعت، فجاءها الطلق (4)، فألقت ولداً، فصاح الصبي صيحتين، ثم مات، فاستشار عمر أصحاب النبي
(1) الشرح الكبير للدردير: 244/ 4 وما بعدها.
(2)
المهذب: 192/ 2، الأحكام السلطانية للماوردي: ص 230، المغني: 832/ 7 وما بعدها، مغني المحتاج: 4/ 4.
(3)
المرأة المُغِيبة: هي التي غاب عنها زوجها. يقابلها: امرأة مُشْهِد: وهي التي زوجها شاهد حاضر.
(4)
الطلق: وجع الولادة.