الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
ومثال كون وارث القصاص من ليس له القصاص من القاتل: أن يقتل أحد الوالدين الوالد الآخر، وكان لهما ولد (ذكر أو أنثى) فيسقط القصاص؛ لأن الولد هو صاحب الحق فيه، ولا يجب للولد قصاص على والده، بدليل أنه لو جنى الوالد على ولده، وقتله، لا يقتص منه؛ للحديث النبوي:«لا يقاد الوالد بالولد» فمن باب أولى لا يقتص للولد من الوالد إذا جنى الوالد على غير ولده.
كذلك يسقط القصاص إذا كان للمقتول ولد آخر، أو وارث آخر؛ لأنه لو ثبت القصاص لوجب له جزء منه، ولا يمكن وجوبه، وإذا لم يثبت بعضه سقط كله، لأنه لا يتبعض، وصار الأمر كما لو عفا بعض مستحقي القصاص عن نصيبه منه.
العقوبة الأصلية الثانية للقتل العمد عند الشافعية ـ الكفارة:
ورد تشريع الكفارة (1) في القتل الخطأ (2) في القرآن الكريم في آية: {ومن قَتَل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة، ودية مسلَّمة إلى أهله إلا أن يصدَّقوا
…
} [النساء:92/ 4] إلى قوله تعالى: {فمن لم يجدْ فصيام شهرين متتابعين، توبةً من الله، وكان الله عليماً حكيماً} [النساء:92/ 4] أي أن الواجب تحرير رقبة مؤمنة إن وجدت، فإن لم توجد فصيام شهرين متتابعين.
فهل يقاس القتل العمد على القتل الخطأ في إيجاب الكفارة أو لا؟ هناك رأيان للفقهاء أو ثلاثة:
(1) الكفارة مأخوذة من الكَفر، وهو الستر؛ لأنها تغطي الذنب وتستره.
(2)
ورد النص في الخطأ دون العمد، مع أن مقتضى الظاهر العكس، لخطر الدماء، ولأن مع المخطئ تفريطاً، إذ لو تحرز واحتاط لترك الفعل المسبب للقتل، ولأن العامد لا تكفيه الكفارة.
1 -
قال جمهور الفقهاء (1)(غير الشافعية): لا تجب الكفارة في القتل العمد؛ لأنه لا قياس في الكفارات؛ لأنها مقدرات شرعية للتعبد، فيقتصر فيها على محل ورودها، وقد اقتصر النص القرآني على الكفارة في القتل الخطأ جبراً للذنب غير المقصود. أما القتل العمد فجزاؤه جهنم؛ لأنه كبيرة، ولم يوجب القرآن كفارة فيه، فدل النص بمفهومه على أنه لا كفارة فيه، ولو كانت واجبة لبينها القرآن؛ لأن المقام يقتضي البيان.
والقتل العمد يوجب القصاص، فلا يوجب كفارة كزنا المحصن.
ويرشد إليه: «أن سويد بن الصامت قتل رجلاً، فأوجب النبي صلى الله عليه وسلم عليه القود، ولم يوجب كفارة» ، وعمرو بن أمية الضَّمري قتل رجلين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم «فو داهما النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يوجب كفارة» (2).
2 -
وقال الشافعية (3): تجب الكفارة في القتل العمد على كل قاتل بالغ وصبي ومجنون وعبد وذمي وعامد ومخطئ، ومتسبب، وفي شبه العمد، أي أن الكفارة تجب سواء أكان القاتل كبيراً عاقلاً أم صغيراً أم مجنوناً، مسلماً أم ذمياً، فاعلاً أصلياً أم شريكاً، مباشرة أم تسبباً، وكان المقتول مسلماً ولو بدار حرب، أوذمياً أو أجنبياً حتى ولو بقتل نفسه. ولا تجب الكفارة بقتل مباح الدم كالحربي والباغي والصائل والمقتص منه، والمرتد والزاني المحصن.
هذا .. وقد حدد الشوكاني محل وجوب الكفارة في القتل العمد فيما إذا
(1) البدائع: 251/ 7، بداية المجتهد: 410/ 2، القوانين الفقهية: ص 348، المغني: 96/ 8، كشاف القناع: 65/ 6.
(2)
المغني: 96/ 8.
(3)
مغني المحتاج: 107/ 4، المهذب: 217/ 2.
عفي عن القاتل أو رضي الوارث بالدية، وأما إذا اقتص منه، فلا كفارة عليه، بل القتل كفارته، لحديث عبادة بن الصامت في أن الحدود كفارات لأهلها، ولما أخرجه أبو نعيم في المعرفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «القتل كفارة» (1).
والدليل على وجوب الكفارة في العمد: أن المقصود من تشريع الكفارة هو رفع الذنب، ومحو الإثم، والذنب في القتل العمد أعظم من القتل الخطأ، فكانت الكفارة في العمد أحرى وأولى، والعامد أحوج إليها لرفع الذنب وتكفير الخطيئة.
ويدل له خبر واثلة بن الأسقع، قال:«أتينا النبي صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا، قد استوجب النار بالقتل، فقال: أعتقوا عنه رقبة، يعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار» (2).
وكفارة القتل مثل كفارة الظهارفي الترتيب: عتق رقبة أولاً، فإن لم يجد (3) فصيام شهرين متتابعين (4)، كما نصت الآية، لكن لا إطعام فيها في الأظهر عند العجز عن الصوم، اقتصاراً على الوارد فيها، إذ المتبع في الكفارات النص، لا القياس، ولم يذكر الله تعالى في كفارة القتل غير العتق والصيام. وعلى هذا فمن لم يستطع الصوم ثبت ديناً في ذمته، ولا يجب شيء آخر. والواجب في عصرنا هو الصوم فقط.
3 -
وقال المالكية (5): تستحب الكفارة في قتل الجنين م وجوب دية الجنين،
(1) نيل الأوطار: 57/ 7.
(2)
رواه أبو داود وأحمد وصححه الحاكم وغيره، كما رواه أيضاً النسائي وابن حبان والحاكم.
(3)
قال ابن قدامة الحنبلي: فإن لم يجد الرقبة في ملكه فاضلة عن حاجته أو لم يجد ثمنها فاضلاً عن كفايته، فصيام شهرين متتابعين، توبة من الله. وهذا ثابت بالنص أيضاً (المغني: 97/ 8).
(4)
تحتسب المدة بالأهلّة إذا صام من أول الشهر وإلا فيحسب كل شهر ثلاثين يوماً.
(5)
القوانين الفقهية: ص 348، بداية المجتهد: 408/ 2.