الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صفات التعزير:
للتعزير صفات (1) أولها ـ أنه عند المالكية والحنابلة: حق واجب لله تعالى إذا رآه الإمام، فلا يجوز للحاكم في الجملة ترك التعزير؛ لأنه زاجر مشروع لحق الله تعالى، فوجب كالحد.
وعند الشافعية: ليس التعزير واجباً، فيجوز للسلطان تركه إذا لم يتعلق به حق لآدمي، فهم كالحنفية، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا في الحدود» (2)، ولأن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: إني لقيت امرأة فأصبت منها ما دون أن أطأها، فقال:«أصليت معنا؟!» قال: نعم، فتلا عليه:{إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود:114/ 11](3). وقال رجل للرسول صلى الله عليه وسلم: «إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله» (4)، فلم يعزره، فلو لم يجز
(1) المغني: 326/ 8، غاية المنتهى: 333/ 3، البدائع: 64/ 7، حاشية ابن عابدين: 204/ 3 وما بعدها، مغني المحتاج: 193/ 4، قواعد الأحكام: 158/ 1، المهذب: 288/ 2.
(2)
رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن عدي والعقيلي عن عائشة، وقال العقيلي: له طرق وليس فيها شيء يثبت، وذكره ابن طاهر عن أنس، وقال: الإسناد باطل، ورواه الشافعي وابن حبان وصححه وابن عدي والبيهقي من حديث عائشة بلفظ:«أقيلوا ذوي الهيئات زلاتهم» وقال الشافعي: «سمعت من أهل العلم من يعرف هذا الحديث، ويقول: يتجافى للرجل ذي الهيئة عن عثرته، مالم يكن حداً» وقال في تفسير الهيئة: من لم تظهر منه ريبة. ورواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات بلفظ:«أقيلوا الكرام عثراتهم» وروي في معناه عن ابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس (راجع التلخيص الحبير: ص 361، جامع الأصول: 344/ 4، مجمع الزوائد: 282/ 6، نيل الأوطار: 135/ 7).
(3)
رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك، ولأحمد ومسلم من حديث أبي أمامة نحوه، وفي موضوعه عن ابن مسعود عند مسلم والترمذي وأبي داود والنسائي (راجع نيل الأوطار: 100/ 7، أعلام الموقعين: 78/ 2).
(4)
وذلك حينما آثر الرسول رجالاً هم المؤلفة قلوبهم وهم ناس من قريش، أسلموا يوم الفتح إسلاماً ضعيفاً، فقال رجل اسمه:«معتِّب بن قشير من بني عمرو بن عوف» وكان من المنافقين: «والله إن هذه القسمة ما عدل فيها، وما أريد فيها وجه الله» . رواه أحمد والشيخان عن ابن مسعود (راجع نيل الأوطار: 290/ 7 وما بعدها).
ترك التعزير، لعزره رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قال، ويؤيده قصة أخرى رواها عبد الله ابن الزبير: أن رجلاً خاصم الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة (1) الذي يسقون به النخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: اسق أرضك الماء، ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب الأنصاري، فقال: ىا رسول الله، وأن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا زبير، اسق أرضك الماء، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، فقال الزبير: فوالله، إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك:{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} [النساء:65/ 4] ولو لم يجز ترك التعزير لعزره رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قال (2). والخلاصة: أنه إذا كان التعزير حقاً لله كما في حالة انتهاك الحرمات الدينية فلا يجب تنفيذه، أما إن كان حقاً للعبد ولم يعف عنه مستحقه، فهو واجب التنفيذ.
وأما الحنفية فقالوا: إن التعزير إذا كان حقاً شخصياً لإنسان، فهو واجب لا عفو فيه؛ لأن حقوق العباد ليس للقاضي إسقاطها، وإن كان حقاً لله تعالى فهو مفوض إلى رأي الإمام: إن ظهر له المصلحة فيه أقامه، وإن ظهر عدم المصلحة، أو علم انزجار الجاني بدونه، يتركه أي أن العفو فيه للإمام. وعبارة الكمال بن الهمام فيه هي:«ما وجب من التعزير حقاً لله تعالى يجب على الإمام، ولا يحل له تركه إلا فيما علم أنه انزجر الفاعل قبل ذلك» (3).
ويترتب على أن التعزير حق العبد عند الشافعية: أنه يحتمل العفو والصلح والإبراء؛ وأنه يورث كالقصاص وغيره من سائرحقوق العباد؛ وأنه لا يتداخل؛ لأن حقوق العبد لا تحتمل التداخل.
(1) شراج الحرة: هي مسايل الماء من بين الحجارة إلى السهل.
(2)
متفق عليه بين الشيخين وغيرهما.
(3)
راجع فتح القدير: 212/ 4 - 213، حاشية ابن عابدين: 205/ 3.