الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سادساً ـ ما يشترط في القذف نفسه:
يشترط أن يكون القذف مطلقاً عن الشرط والإضافة إلى وقت في المستقبل. فإن كان معلقاً بشرط أو مضافاً إلى وقت، لا يجب الحد؛ لأن ذكر الشرط أو الوقت يمنع وقوعه قذفاً للحال، وعند وجود الشرط أو الوقت يجعل كأنه نجز القذف، فكان قاذفاً تقديراً مع انعدام القذف حقيقة، فلا يجب الحد. فإذا قال رجل لآخر:(إن دخلت هذه الدار فأنت زان) فدخل، فلا حد عليه. وكذلك إذا قال لغيره:(أنت زان غداً) أو (أنت زان رأس شهر كذا) فجاء الغد والشهر، لا حد عليه (1).
والخلاصة: قال القرطبي: للقذف عند العلماء شروط تسعة: شرطان في القاذف، وهما العقل والبلوغ؛ لأنهما أصلا التكليف؛ إذ التكليف ساقط دونهما. وشرطان في المقذوف به: وهو أن يقذف بوطء يلزمه فيه الحد، وهو الزنا واللواطة، أو بنفيه من أبيه دون سائر المعاصي. وخمسة في المقذوف: وهي العقل والبلوغ والإسلام والحرية والعفة عن الفاحشة التي رمي بها، كان عفيفاً من غيرها، أم لا.
المبحث الرابع ـ صفة حد القذف:
اختلف الفقهاء في تكييف حد القذف، هل هو حق لله تعالى أو حق للعباد (2).
(1) البدائع: المرجع السابق.
(2)
المراد بحق العبد: هو أنه لو أسقطه لسقط كالديون والأثمان. والمراد بحق الله: هو أنه ليس للعبد إسقاطه (الفروق: 141/ 1).
قال الحنفية: إن حد القذف فيه حقان: حق للعبد، وحق لله تعالى، إلا أن حق الله تعالى فيه غالب؛ لأن القذف جريمة تمس الأعراض، وفي إقامة الحد على القاذف تتحقق مصلحة عامة: وهي صيانة مصالح العباد، وصيانة الأعراض، ودفع الفساد عن الناس (1).
وقال الشافعية والحنابلة: إن حد القذف حق خالص للآدمي المقذوف؛ لأن القذف جناية على عرض المقذوف، وعرضه حقه، فكان البدل (وهو العقاب) حقه، كالقصاص (2).
ويترتب على هذا الخلاف: أنه بناء على القول الأول، وهو مذهب الحنفية: لا يصح للمقذوف إسقاط الحد ولا الإبراء منه والعفو عنه، ولا الصلح والاعتياض عنه (أي بعد أن يرفع الأمر إلى الحاكم، أما قبل ذلك فيسقط بالعفو) ولا يجري فيه الإرث، ولكن يسقط بموت المقذوف؛ لأن الإرث إنما يجري في المتروك من ملك أو حق للمورث، لقوله عليه السلام:«من ترك مالاً أو حقاً فهو لورثته» (3) وحد القذف ليس حقاً للمورث عندهم، وإنما هو حق لله تعالى في غالبه، فلا يرثه
(1) فتح القدير: 194/ 4، البدائع: 56/ 7، حاشية ابن عابدين: 189/ 4، المبسوط: 113/ 9.
(2)
المهذب: 274/ 2 وما بعدها، الميزان: 160/ 2 وما بعدها، المغني: 217/ 8، 219، 230، 233، 236.
(3)
رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته: «من خلّف مالاً أو حقاً فلورثته، ومن خلف كلاً أو ديناً، فكله إلي، ودينه علي» وفي لفظ: «من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك كلاًّ فإلينا» وعن سلمان عند الطبراني بنحو حديث أبي هريرة وزاد: «وعلى الولاة من بعدي من بيت مال المسلمين» وفي إسناده عبد الله بن سعيد الأنصاري متروك، وعن أبي أمامة عند ابن حبان في ثقاته. وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه عن المقدام بن معد يكرب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ترك كلاً فإلي، ومن ترك مالاً فلورثته، وأنا وارث من لا وارث له، أعقل منه، وأرثه، والخال وارث من لا وارث له، يعقل عنه ويرثه» . (راجع نصب الراية: 58/ 4، التلخيص الحبير: ص 251، نيل الأوطار: 238/ 5).
ورثته، ويجري فيه التداخل كما في قذف الجماعة، فيجب حد واحد إذا تكرر القذف كما سبق بيانه.
وإذا طلب المقذوف من القاضي أن يستحلف القاذف، فلا يحلفه كما في حد الزنا. ومثل حد القذف: حد الزنا والشرب والسكر والسرقة.
وبناء على القول الثاني، وهو مذهب الشافعية والحنابلة: يصح للمقذوف ولو بعد رفع الأمر للحاكم إسقاط الحد والإبراء منه، والعفو عنه، والصلح، والاعتياض عنه، ويورث حق المطالبة بحد القذف؛ لأنه من حقوق العباد. أما حديث صفوان الآتي فهو في حد السرقة الذي هو حق لله تعالى. ودليلهم ما رواه ابن السني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان يقول: تصدقت بعرضي» أي بنفسي، والتصدق بالعرض لا يكون إلا بالعفو عما يجب له.
وأما التداخل: فلا يجري فيه عندهم، حتى لو قذف جماعةً، كل واحد منهم على انفراد، وجب لكل واحد منهم حد كما سبق بيانه وتفصيله.
وإذا ادعى شخص على رجل أنه قذفه فيستحلف؛ لأنه حق لآدمي كالدين.
وأما مذهب المالكية فمختلف فيه؛ لأن قول مالك اختلف: فمرة قال بقول الشافعي: وهو أن حد القذف حق للآدمي، فيجوز فيه العفو وهو الأظهر عند ابن رشد، ومرة قال: فيه حقان: حق لله وحق للعبد، إلا أنه يغلب فيه حق الإمام إذا وصل إليه أمر الحد، فإذا رفع أمر الحد إلى الإمام لا يملك المقذوف العفو عن الحد، إلا إذا أراد المقذوف الستر على نفسه، تغليباً لحق ولي الأمر إذا وصل إليه الحد، قياساً على الأثر الوارد في السرقة (1)، وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال
(1) انظر بداية المجتهد: 433/ 2 وما بعدها، المنتقى على الموطأ: 148/ 7، حاشية الدسوقي: 331/ 4، الفروق للقرافي: 141/ 1، القوانين الفقهية: ص 358، تهذيب الفروق: 157/ 1، الفروق: 141/ 1، 175/ 4.