الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا أن الشافعية قالوا: يشترط في قاطع الطريق أن يكون له شوكة، أي قدرة وقوة مغالبة لغيره، ولا يشترط العدد. والمغالبة: إنما تتأتى بالبعد عن العمران، لا بالقرب منه، بحيث لو قال الشخص: ياغوثاه، أغاثه الناس، وتوجد المغالبة في المصر حال ضعف السلطان.
3 -
أن يكون بينهم وبين المصر مسيرة سفر، فإن كان أقل منه لم يكونوا قطاع طرق، وهذا الشرط عند أبي حنيفة ومحمد، وأما عند أبي يوسف فليس بشرط. وقد بيّنت في الشرط السابق دليل كل منهم (1) وأن المفتى به هو رأي أبي يوسف.
المبحث الثالث ـ إثبات قطع الطريق:
يثبت قطع الطريق عند القاضي، إما بالبينة، وإما بالإقرار، بعد خصومة صحيحة أي (رفع الدعوى ممن له يد صحيحة) ولا يثبت بعلم القاضي، ولا بالنكول (2)، على حسب ما ذكر في السرقة. ويشترط عند الحنابلة وأبي يوسف تكرار الإقرا ر مرتين (3).
المبحث الرابع ـ أحكام قطاع الطرق (عقوباتهم):
اختلف العلماء في عقوبة قطع الطريق، هل العقوبات المذكورة في آية المحاربة على التخيير، أو مرتبة على قدر جناية المحارب؟.
فقال الحنفية والشافعية والحنابلة: إن حد قطاع الطريق على الترتيب المذكور
(1) البدائع: 92/ 7.
(2)
المرجع السابق: ص 93، والنكول: استنكاف الخصم عن حلف اليمين الموجهة إليه من القاضي.
(3)
غاية المنتهى: 344/ 3.
في الآية الكريمة السابق ذكرها؛ لأن الجزاء يجب أن يكون على قدر الجناية، ولكنهم اختلفوا في كيفية الترتيب:
فقال الحنفية: إن أخذوا المال، تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف؛ وإن قتَلوا فقط قُتلوا؛ وإن قتلوا وأخذوا المال كان الإمام بالخيار: إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ثم قتلهم، أو صلبهم، وإن شاء لم يقطع، وإنما يقتل أو يصلب.
وإن أخافوا الطريق فقط دون قتل، ولا أخذ للمال، ينفوا من الأرض، أي يحبسوا ويعزروا (1).
وما ذكر في الصورة الثالثة وهو (القتل وأخذ المال) هو رأي أبي حنيفة وزفر.
وقال الصاحبان: يقتل الإمام القاطع أو يصلبه، ولكن لا يقطعه؛ لأن الجناية وهي قطع الطريق واحدة، فلا توجب حدين، ولأن ما دون النفس في الحدود يدخل في النفس كحد السرقة والرجم إذا اجتمعا كما سأبين، فيقام حد الرجم فقط.
ورد أبو حنيفة وزفر على ذلك بأن هذه الجناية وإن كانت واحدة، فإن القطع والقتل أيضاً عقوبة واحدة، ولكنها مغلظة لتغلظ سببها، حيث إن قطع الطريق يخل بالأمن على النفس والمال معاً.
وقال الشافعية والحنابلة: إن أخذوا المال فقط قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإن قتلوا ولم يأخذوا المال، قتلوا ولم يصلبوا.
(1) المبسوط: 195/ 9، البدائع: 93/ 7، فتح القدير: 270/ 4، تبيين الحقائق: 235/ 3، مختصر الطحاوي: ص 276، حاشية ابن عابدين: 233/ 3 وما بعدها.
وإن قتلوا وأخذوا المال، قتلوا وصلبوا.
وإن أخافوا، ينفوا من الأرض (1).
ودليلهم على هذا الترتيب: ما روي عن ابن عباس من قصة أبي بُرْدة الأسلمي بهذه الكيفية (2). فهم يخالفون الحنفية في الصورة الثالثة فقط.
وقال الإمام مالك (3): الأمر في عقوبة قطاع الطرق راجع إلى اجتهاد الإمام ونظره ومشورة الفقهاء بما يراه أتم للمصلحة وأدفع للفساد، وليس ذلك على هوى الإمام.
1 -
فإن أخاف القاطع السبيل فقط كان الإمام مخيراً بين قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف أو نفيه وضربه، على التفصيل الآتي:
فإن كان المحارب ممن له الرأي والتدبير والقوة، فوجه الاجتهاد قتله أو صلبه؛ لأن القطع لا يدفع ضرره. وإن كان لا رأي له، وإنما هو ذو قوة وبأس، قطعه من خلاف. وإن كان ليس فيه شيء من هاتين الصفتين أخذ بأيسر عقاب فيه وهو الضرب والنفي.
2 -
وأما إذا قتل، فلا بد من قتله، وليس للإمام تخيير في قطعه، ولا في نفيه، وإنما التخيير في قتله أو صلبه.
(1) المهذب: 284/ 2، مغني المحتاج: 81/ 4 وما بعدها، المغني: 288/ 8، السياسة الشرعية لابن تيمية: ص 78.
(2)
هذا أثر عن ابن عباس رواه الشافعي في مسنده وفي إسناده إبراهيم بن محمد أبي يحيى، وهو ضعيف، وأخرجه البيهقي عن ابن عباس في قوله تعالى:{إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} [المائدة:33/ 5] الآية، ورواه أحمد بن حنبل في تفسيره عن أبي معاوية عن حجاج عن عطية به نحوه. قال الشافعي:«واختلاف حدودهم باختلاف أفعالهم على ما قال ابن عباس إن شاء الله» (راجع التلخيص الحبير: ص 358 وما بعدها، نيل الأوطار: 152/ 7).
(3)
المنتقى على الموطأ: 172/ 7، القوانين الفقهية: ص 363.