الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ـ ولا قسامة في قتيل يوجد في المساجد الجامعة العامة، أو الشوارع أوالجسور أو الأسواق العامة، أو في السجن؛ لأن هذه الأماكن ليست مملوكة لأحد، ولا في يد أحد. والدية في بيت المال.
فإن كان في مسجد مَحلَّة، فالقسامة على أهلها.
ـ وإن وجد القتيل في سفينة، فالقسامة على من فيها من الركاب والملاحين؛ لأنها في أيديهم.
والسيارة أو العربة مثل السفينة.
وإذا وجد القتيل على دابة، ومعها رجل قائد أو سائق أو راكب، فالقسامة عليه، والدية على عاقلته، دون أهل المحلة؛ لأنها في يده.
ومثله، لو وجد القتيل في دار إنسان: القسامة عليه، والدية على عاقلته.
فإن وجد على دابة تسير، وليس في يد أحد، فلا قسامة ولا دية، وإنما الدية على بيت المال.
ـ وإن وجد القتيل بين قريتين، بحيث يبلغ الصوت أهل كل منهما، ليتمكنوا من النصرة، فالقسامة والدية على أقربهما إليه.
والخلاصة: أن كل مكان يكون التصرف فيه لعامة المسلمين لا لواحد منهم ولا لجماعة يحصون، لا قسامة ولا دية على أحد، وإنما الدية على بيت المال؛ لأن الغرم بالغنم.
المطلب السادس ـ كيفية القسامة (صيغتها وحالفها):
اختلف الفقهاء فيمن يبدأ بحلف الأيمان الخمسين، هل المدعون أو المدعى عليهم؟
1ً - قال الحنفية (1): يبدأ بتحليف المدعى عليهم، كما هو الأصل في أن اليمين على المدعى عليه، ويتخيرهم ولي الدم؛ لأن اليمين حقه، فيختار من يتهمه بالقتل، فيحلف كل واحد منهم:«بالله ما قتلته، ولاعلمت له قاتلاً» .
واستدلوا بما أخرجه البخاري عن سعيد بن عبيد الطائي، عن بشير بن يسار:«أن رجلاً من الأنصار يقال له سهل بن أبي حَثْمة» روى حديثاً وفيه «فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تأتون بالبينة على من قتله؟ قالوا: ما لنا بينة، قال: فيحلفون لكم، قالوا: ما نرضى بأيمان يهود، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه، فوداه بمائة بعير من إبل الصدقة» (2).
واحتجوا أيضاً بما أخرجه البخاري وأبو داود عن أبي سلمة وسليمان بن يسار عن رجال من الأنصار: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليهود، وبدأ بهم: يحلف منكم خمسون رجلاً (أي خمسين يميناً) فأبوا، فقال للأنصار: احلفوا، فقالوا: نحلف على الغيب يا رسول الله؟! فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم دية على يهود؛ لأنه وجد بين أظهرهم» (3).
واستدل الكاساني (4) بما روي عن زياد بن أبي مريم أنه قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني وجدت أخي قتيلاً في بني فلان، فقال عليه الصلاة والسلام: اجمع منهم خمسين، فيحلفون بالله: ما قتلوه، ولا علموا له قاتلاً، فقال: يا رسول الله، ليس لي من أخي إلا هذا؟ فقال: بل لك مئة من
(1) البدائع: 286/ 7، اللباب مع الكتاب: 172/ 3، تبيين الحقائق: 170/ 6
(2)
نصب الراية: 392/ 4
(3)
نصب الراية، المكان السابق، قال ابن رشد في بداية المجتهد: 421/ 2: وهو حديث صحيح الإسناد؛ لأنه رواه الثقات عن الزهري عن أبي سلمة بن أبي عبد الرحمن.
(4)
البدائع: 286/ 7.
الإبل» (1) فدل الحديث على وجوب القسامة على المدعى عليهم، وهم أهل المحلة، وعلى وجوب الدية عليهم مع القسامة.
فإن حلفوا قضي عليهم (أي على أهل المحلة) بالدية في القتل العمد، وعلى عاقلتهم (عاقلة أهل المحلة) في القتل الخطأ.
وإن امتنع المدعى عليهم أو بعضهم عن الحلف، حبسوا حتى يحلفوا؛ لأن اليمين فيه مستحقة لذاتها، تعظيماً لأمر الدم (2).
2ً - وقال المالكية والشافعية والحنابلة وداود الظاهري (3): يبدأ المدعون أولياء القتيل بالأيمان الخمسين، عملاً بحديث سهل بن أبي حثمة المتقدم، وفيه:«أتحلفون خمسين يميناً، وتستحقون دم صاحبكم؟» فيحلف كل ولي (بالغ عاقل) منهم أمام الحاكم والمدعى عليه، وفي المسجد الأعظم بعد الصلاة عند اجتماع الناس:«بالله الذي لا إله إلا هو: لقد ضربه فلان فمات، أو لقد قتله فلان» . ويشترط أن تكون اليمين قاطعة (على البت) في ارتكاب المتهم الجريمة.
ويشترط عند المالكية (4) أن تكون الأيمان متوالية، فلا تفرق على أيام أوأوقات؛ لأن للموالاة أثراً في الزجر والردع.
ولا يشترط عند الشافعية على المذهب والحنابلة (5) موالاتها؛ لأن الأيمان من جنس الحجج، والحجج يجوز تفريقها، كما لو شهد الشهود متفرقين.
(1) هذا الحديث غريب كما قال الزيلعي في نصب الراية: 393/ 4 ومابعدها.
(2)
البدائع: 289/ 7، اللباب مع الكتاب: 172/ 3، تكملة فتح القدير: 388/ 8، تبيين الحقائق: 170/ 6.
(3)
بداية المجتهد: 421/ 2، الدردير: 289/ 4 ومابعدها، 293، مغني المحتاج: 114/ 4 - 116، المغني: 68/ 8، 77، كشاف القناع: 8/ 6، القوانين الفقهية: ص 348.
(4)
الدردير: 293/ 4.
(5)
مغني المحتاج: 115/ 4، كشاف القناع: 76/ 6.