الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويؤخذ فيه الكفالة؛ لأن التكفيل للتوثيق والتعزير حق العبد، فكان التوثيق ملائماً له، بخلاف الحدود على أصل أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
ثاني الصفات: أن التعزير أشد الضرب؛ لأنه جرى فيه التخفيف من حيث العدد، فلا يخفف من حيث الوصف، كيلا يؤدي إلى فوات المقصود منه وهو الزجر، ثم يليه حد الزنى ثم حد الشرب، ثم حد القذف (1) كما سبق بيانه.
طرق إثبات جريمة التعزير:
تثبت جريمة التعزير عند الحنفية بماتثبت به سائر حقوق العباد من الإقرار والبينة، والنكول، وعلم القاضي، وتقبل فيه شهادة النساء مع الرجال، والشهادة على الشهادة، وكتاب القاضي إلى القاضي. وسيأتي في بحث القضاء أن المفتى به عدم جواز قضاء القاضي بعلمه الشخصي في الحوادث مطلقاً في زماننا، منعاً للتهمة، وسداً للباب بسبب فساد قضاة الزمان.
وروي عن أبي حنيفة أنه لا تقبل فيه شهادة النساء. قال الكاساني: والصحيح هو الأول؛ لأنه حق العبد على الخلوص، فيظهر بما يظهر به حقوق العباد (2).
ضمان موت المعزر أو المحدود:
قال الحنفية والمالكية والحنابلة: إذا عزر الإمام رجلاً، أو حدَّه فمات من التعزير أو الحد، فلا ضمان عليه؛ لأن التعزير عقوبة مشروعة للردع والزجر، فلم
(1) فتح القدير: 216/ 4 وما بعدها، تبيين الحقائق: 210/ 3، حاشية ابن عابدين: 199/ 3.
(2)
البدائع: 65/ 7، حاشية ابن عابدين: 205/ 3.
يضمن من تلف بها كالحد، ولأن الإمام مأمور بالحد والتعزير، وفعل المأمور لا يتقيد بشرط السلامة (1).
وقال الشافعي: لا يجب على الإمام ضمان موت المحدود؛ لأن الحق قتله، سواء في ذلك الجلد والقطع، وسواء جلده في حر وبرد مفرطين أم لا، وسواء أكان الجلد في مرض يرجى برؤه أم لا، إلا أن تكون المرأة حاملاً، فيموت الجنين، فيجب الضمان؛ لأنه مضمون فلا يسقط ضمانه بجناية غيره. ويجب ضمان موت المعزَّر، لما روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال:«ما من رجل أقمت عليه حداً، فمات، فأجد في نفسي أنه لا دية عليه، إلا شارب الخمر، فإنه لو مات وديته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنَّه» (2)، أي لم يسن مقداراً معيناً في جلد شارب الخمر، وإنما فعل أفعالاً مختلفة يجوز جميعها، ومنها: أنه عليه السلام حد في الخمر أربعين كما روى علي نفسه (3)، وهذا أمر متفق عليه، والخلاف بين الفقهاء إنما هو في الزيادة على الأربعين، فليس المراد إذن من حديث علي أن الشخص مات من الحد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حد في الخمر، كما ذكرت، فثبت أنه أراد بقوله:«لو مات وديته» أي من
(1) فتح القدير: 217/ 4، تبيين الحقائق: 211/ 3، مجمع الضمانات: ص 201، حاشية ابن عابدين: 208/ 3، حاشية الدسوقي: 355/ 4، المغني: 310/ 8 وما بعدها.
(2)
أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجه وفي روايتهما قال: «لا أدي ـ أي لا أعطي ديته ـ أو ما كنت أدي من أقمت عليه الحد إلا شارب الخمر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يسن فيه شيئاً، وإنما هو شيء قلناه نحن» ومعنى «لم يسنه» : لم يقدره ويوقته بلفظه ونطقه، ففيه دليل على أن الخمر لم يكن فيه حد محدود من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو من باب التعزيرات، فإن مات ضمنه الإمام. (راجع جامع الأصول: 337/ 4، نصب الراية: 352/ 3، سبل السلام: 38/ 4، نيل الأوطار: 143/ 7).
(3)
رواه مسلم في قصة الوليد بن عقبة الذي شهد عليه رجل أنه رآه يتقيأ الخمر، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بجلده، كما روى حصين بن المنذر، وعلي يعد حتى بلغ أربعين، ثم قال:«جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلى» (راجع التلخيص الحبير: ص 360، سبل السلام: 30/ 4، نيل الأوطار: 138/ 7).