الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكل السرقات؛ لأن الجرائم التي هي من جنس واحد يكتفى فيها بحد واحد، كما في الزنا، إذ المقصود من إقامة الحد هو الزجر والردع، وهو يحصل بإقامة حد واحد.
وإذا ثبت الحد عندالسلطان، لم يجز العفو عنه، ولا تجوز الشفاعة فيه؛ لأن الحد لله، فلا يجوز فيه العفو والشفاعة، ولما روت عائشة رضي الله عنها قالت:«أتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق قد سرق، فأمر به فقطع، فقيل: يا رسول الله، ما كنا نراك تبلغ به هذا، قال: لو كانت فاطمة بنت محمد، لأقمت عليها الحد» (1). وقال الزبير: «إذا بلغ ـ أي الحد ـ السلطان فلعن الله الشافع والمشفع» (2).
المبحث الثاني ـ شروط السرقة الموجبة للحد:
يشترط لإقامة حد السرقة شروط، بعضها في السارق، وبعضها في المسروق، وبعضها في المسروق منه، وبعضها في المسروق فيه، وهو المكان.
شروط السارق:
يشترط في السارق توافر أهلية وجوب القطع: وهي العقل والبلوغ والاختيار والعلم بالتحريم، فلا يقطع الصبي والمجنون، لقوله عليه السلام:«رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ» . ولأن القطع عقوبة، فيستدعي جناية، وفعل الصبي والمجنون لا يوصف بأنه جناية. ولا يحد المكرَه لرفع القلم عنه، ولا يحد من أخذ شيئاً جاهلاً بتحريمه لقرب عهده بالإسلام.
وإذا اشترك الصبي أو المجنون مع جماعة في سرقة، فلا قطع على الجميع عند أبي حنيفة وزفر رحمهما الله تعالى.
(1) متفق عليه بين أحمد والشيخين (نيل الأوطار: 135/ 7 وما بعدها).
(2)
رواه مالك في الموطأ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن (نيل الأوطار، المرجع السابق).
وقال أبو يوسف رحمه الله: العبرة بمباشرة إخراج المتاع، فإن أخرجه الصبي أو المجنون، درئ الحد عن الجميع، وإن باشر الإخراج غيرهما قطع، ولا يقطع الصبي أو المجنون؛ لأن الإخراج من الحرز هو الأصل في السرقة، والإعانة كالتابع.
ودليل أبي حنيفة وزفر: أن السرقة واحدة، وقد حصلت ممن يجب عليه القطع وممن لا يجب عليه القطع، فلا يجب القطع على أحد، كالعامد مع الخاطئ إذا اشتركا في جريمة، وإخراج السرقة حصل من الكل من ناحية المعنى (1).
واشتراط البلوغ والعقل في السارق لإقامة الحد متفق عليه، وأضاف الشافعية والحنابلة شرط كونه مختاراً، التزم أحكام الإسلام، فلا يجب الحد على مكره، لحديث:«رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ولا تجب على الحربي؛ لأنه لم يلتزم حكم الإسلام. وفي وجوب الحد على المستأمن والمهادن قولان عندهم: أحدهما ـ أنه لا يجب عليه حد السرقة؛ لأنه حق خالص لله تعالى، فلم يجب عليه كحد الشرب والزنا. والثاني ـ أنه يجب عليه؛ لأنه حد يجب لصيانة حق الآدمي، فوجب عليه كحد القذف.
وأضاف المالكية ألا يكون للسارق على المسروق منه ولادة، فلا يقطع الأب في سرقة مال ابنه لقوة الشبهة الآتية من حديث جابر عند ابن ماجه:«أنت ومالك لأبيك» . وزاد الشافعي وأحمد ومالك الجد، فلا يقطع في مال حفيده، وزاد أبو حنيفة كل ذي رحم محرم، واختلفوا في الزوج والزوجة إذا سرق كل واحد منهما من مال صاحبه، كما سأوضح. وأضاف المالكية أيضاً ألا يضطر السارق إلى
(1) البدائع: 67/ 7، تبيين الحقائق للزيلعي: 211/ 3، فتح القدير: 220/ 4، المهذب: 277/ 2، القوانين الفقهية: ص 359.