الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعرف الحنابلة اللوث: بأنه العداوة الظاهرة بين المقتول والمدعى عليه، لنحو ما كان بين الأنصار ويهود خيبر، وما يكون بين القبائل والأحياء وأهل القرى الذين بينهم الدماء، وما بين البغاة وأهل العدل، وما بين الشرطة واللصوص، وكل من بينه وبين المقتول ضغن يغلب على الظن أنه قتله، فإن لم تكن عداوة ظاهرة بين المتهم والمقتول ولكن غلب على الظن صدق المدعي كتفرق جماعة عن قتيل أو في زحام أو شهد نساء وصبيان وفساق أو عدل فليس لوثاً. وإن ادعى شخص القتل من غير وجود عداوة، فلا بد من تعيين المدعى عليه. وإذا رفعت الدعوى على عدد غير معين لم تسمع الدعوى، كما قال الشافعية.
وبهذا يظهر أن المالكية يرون أن وجود القتيل في المحلة ليس لوثاً، وإن كانت هنالك عداوة بين القوم الذين منهم القتيل، وبين أهل المحلة. ويعتبرون ادعاء المجني عليه على المتهم قبل وفاته لوثاً، وهذا هو التدمية في العمد: وهو قول المقتول: فلان قتلني أو دمي عند فلان. ولا يعتبره الشافعية وسائر العلماء لوثاً. والإشاعة المتواترة على ألسنة الخاص والعام أن فلاناً قتله: لوث عند الشافعية، وليست لوثاً عند المالكية.
والخلاصة أن اللوث: هو أمارة غير قاطعة على القتل، ولكن حالات اللوث مختلف فيها بين الجمهور.
المطلب الخامس ـ شروط القسامة:
اشترط الحنفية (1) في القسامة سبعة شروط هي ما يأتي:
(1) البدائع: 287/ 7 - 290، الكتاب مع اللباب: 173/ 3، تبيين الحقائق: 171/ 6، الدر المختار: 443/ 5 ومابعدها.
1ً - أن يكون بالقتيل أثر القتل من جراحة أو أثر ضرب أو خنق، فإن لم يكن شيء من ذلك فلا قسامة فيه ولا دية، لأنه إذا لم يكن به أثر القتل، فالظاهر أنه مات حتف أنفه، فلا يجب به شيء. فإذا وجد والدم يخرج من فمه أو من أنفه أو دبره، أو ذكره، لا شيء فيه؛ لأن الدم يخرج من هذه المواضع عادة بدون الضرب، وإنما بسبب القيء أو الرعاف ونحوهما، فلا يعرف كونه قتيلاً.
وإن كان الدم يخرج من عينه أو أذنه، ففيه القسامة والدية؛ لأن الدم لا يخرج من هذه المواضع عادة، فكان خروجه بسبب القتل. وعلى هذا لا يشترط الحنفية: اللوث، وإنما يكفي أن توجد الجثة في محلها وبها أثر القتل.
وقال جمهور الفقهاء غير الحنفية (1): يشترط للقسامة وجود لوث، ولكن ليس من شرط اللوث قرينة القتل أن يكون بالقتيل أثر، بل لا بد من تحقق الموت قتلاً بسبب، لا قضاءً وقدراً محضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل الأنصار في قتيل خيبر، هل كان بقتيلهم أثر أو لا، ولأن القتل يحصل بما لا أثر له كالخنق وعصر الخصيتين. ومن به أثر قد يموت حتف أنفه لسقطته أوصرعته أو يقتل نفسه.
2ً - أن يكون القاتل مجهولاً، فإن علم فلا قسامة فيه، ولكن يجب القصاص بشروطه في القتل العمد، وتجب الدية في شبه العمد والخطأ ونحوهما.
3ً - أن يكون القتيل من بني آدم، فلا قسامة في بهيمة وجدت في محلة قوم، ولا غرم فيها.
4ً - رفع الدعوى إلى القضاء من أولياء القتيل؛ لأن القسامة يمين، واليمين لاتجب من دون الدعوى، كما في كل الدعاوى.
(1) الشرح الكبير للدردير: 287/ 4، مغني المحتاج: 111/ 4، المغني: 71/ 8، القوانين الفقهية: ص349.
واشترط المالكية والشافعية والحنابلة (1) اتفاق الأولياء على الدعوى، فإن اختلفوا لم تثبت القسامة. وعبر الشافعية عن ذلك بقولهم: ألا تتناقض دعوى المدعي، فلو ادعى على شخص انفراده بالقتل، ثم ادعى على آخر أنه شريكه أو أنه القاتل منفرداً، لم تسمع الدعوى الثانية، لمناقضتها الدعوى الأولى (2).
5ً - إنكار المدعى عليه؛ لأن اليمين وظيفة المنكر، فإن اعترف فلا قسامة.
6ً - المطالبة بالقسامة؛ لأنها أيمان، واليمين حق المدعي، وحق الإنسان يوفى عند طلبه، كما في سائر الأيمان. ولهذا يختار أولياء القتيل من يتهمونه. ولو طولب من عليه القسامة، فنكل عن اليمين حبس حتى يحلف أو يقر؛ لأن اليمين حق مقصود بنفسه، لا أنه وسيلة إلى المقصود، وهو الدية، بدليل أنه يجمع بينه وبين الدية. قال الحارث بن الأزمع لسيدنا عمر رضي الله عنه:«أنبذل أيماننا وأموالنا؟ فقال: نعم» . وذلك بخلاف اليمين في سائر الحقوق فإنها ليست مقصودة بنفسها، بل هي وسيلة إلى المقصود، وهو المال المدعى، فلا يجمع بينهما، فلو حلف المنكر أو المدعى عليه برئ.
(1) المغني: 71/ 8 وما بعدها، كشاف القناع: 70/ 6، مغني المحتاج: 110/ 4، الدردير: 288/ 4.
(2)
هذا وقد اشترط الشافعية في كل دعوى بدم أو غيره كغصب وسرقة وإتلاف ستة شروط وهي ما يأتي:
1ً - أن يكون محل الدعوى معلوماً غالباً بأن يفصّل المدعي ما يدعيه من عمد وخطأ وشبه عمد، ومن انفراد وشركة وعدد الشركاء.
2ً - أن يكون موضوع الدعوى ملزماً، فلا تسمع دعوى هبة شيء أو بيعه أوإقراره به حتى يقول: وقبضته بإذن الواهب، ويلزم البائع أو المقر التسليم إلي.
3ً - أن يعين المدعي في دعواه المدعى عليه، واحداً كان أو جمعاً معيناً كثلاثة حاضرين.
4ً - أن يكون المدعي مكلفاً (بالغاً عاقلاً) حالة الادعاء، فلا تسمع دعوى صبي ولا مجنون، ولا سكرانٍ متعدٍ بسكره.
5ً - أن يكون المدعى عليه أيضاً مكلفاً مثل المدعي، فلا تصح الدعوى على صبي ومجنون.
6ً - ألا تتناقض دعوى المدعي (راجع مغني المحتاج: 109/ 4 وما بعدها).
7ً - أن يكون الموضع الذي وجد فيه القتيل مملوكاً لأحد الناس، أو في حيازة أحد، وإلا فلا قسامة ولا دية؛ لأن كل واحدة منهما تجب بترك الحفظ اللازم، فإذا لم يكن المحل ملك أحد أو في يد أحد، لا يلزم أحد بحفظه، فلا تجب القسامة والدية. وإنما تجب الدية في بيت المال؛ لأن حفظ المكان العام على العامة أو الجماعة، ومال بيت المال مالهم.
وتطبيقات ذلك في الأمثلة التالية (1):
ـ إذا وجد قتيل في فلاة (صحراء أو برية) من الأرض، ليست ملكاً لأحد، فإن كان موضعه في مكان يسمع فيه الصوت من قرية أوبلد، فعليهم القسامة. وإن كان في مكان لا يسمع فيه الصوت، فلا قسامة فيه ولا دية على أحد. وإنما تؤخذ ديته من بيت المال.
ـ إن وجد القتيل في وسط نهر عظيم كدجلة والفرات والنيل، وكان يجري على سطح الماء، فلا قسامة ولا دية على أحد؛ لأن النهر العظيم ليس ملكاً لأحد، ولا في يد أحد. وإنما تجب الدية في بيت المال.
وأما إذا لم يكن يجري على سطح الماء، وكان محتبساً بالشاطئ (جانب النهر) أو في جزيرة، فالقسامة على أقرب القرى من ذلك المكان إذا كانوا يسمعون الصوت؛ لأنهم مسؤولون عن نصرة هذا الموضع، وهو تحت تصرفهم، فكان في أيديهم.
وأما إن وجد في نهر صغير، فالقسامة والدية على أهل النهر؛ لأن النهر مملوك لهم.
(1) البدائع: 289/ 7 ومابعدها، اللباب: 174/ 3 - 176، تكملة فتح القدير: 392/ 8 - 396، الدر المختار: 445/ 5 وما بعدها، 448.