الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و
هل يبرأ فيما بينه وبين الله تعالى
؟ استظهر ابن عابدين أن الظلم المتقدم لا يسقط بالتوبة لتعلق حق المقتول به، فيخاصم القاتل يوم القيامة. وأما ظلم القاتل لنفسه بإقدامه على المعصية، فيسقط بالتوبة (1).
وقال الإمام النووي وأكثر العلماء: إن ظواهر الشرع تقتضي سقوط المطالبة في الآخرة بالعقوبة عن القاتل إذا تاب. فقد دلت أحاديث نبوية على أنه لايطالب، من أشهرها الحديث المروي في الصحيحين الذي ذكر فيه توبة القاتل مئة نفس في الأمم السابقة، وقبول الله توبته (2).
إسقاط التعازير بالتوبة:
بمناسبة بحث أثر التوبة في العقوبات المقدرة (الحدود والقصاص) يحسن الكلام عن أثر التوبة أيضاً على العقوبات غير المقدرة وهي التعازير.
يظهر مما ذكره الفقهاء في إسقاط الحدود بالتوبة ضرورة التفرقة في التعزيرات بين حقوق الله وحقوق الأفراد (3)؛ لأن ضابط التعزير: هو كل من ارتكب منكراً أو آذى غيره بغير حق بقول أو فعل أو إشارة. فقد يكون التعزير حقاً لله، أو حقاً للإنسان، أو يشترك فيه الحقان وأحدهما غالب على الآخر.
فإن كان التعزير حقاً خالصاً للإنسان، أو الغالب فيه حقه كالشتم والسب
(1) رد المحتار: 389/ 5.
(2)
رواه أبو سعيد الخدري (راجع رياض الصالحين: ص 14، كتاب التوابين لابن قدامة: ص 85، ط دمشق).
(3)
رد المحتار: 190/ 3، 198، 204 وما بعدها، و 209، نهاية المحتاج: 175/ 7، رسالة التعزير للدكتور عبد العزيز عامر: ص 41، 436 - 441.
والمواثبة والضرب بغير حق، والتزوير وشهادة الزور ونحوها مما يتوقف على الادعاء الشخصي، فلا يسقط بالتوبة، كما لا يسقط بعفو القاضي، إلا أن يصفح المعتدى عليه.
وأما إن كان التعزير حقاً لله تعالى كتعزير مفطر رمضان عمداً بدون عذر، وتارك الصلاة، وآكل الربا ظاهراً، ومن يحضر موائد الخمر ومجالس الفسق، أو كان حق الله فيه غالباً كمباشرة امرأة أجنبية فيما دون الجماع، كتقبيل وعناق وخلوة بها ونحوها، فيسقط بالتوبة، كما يسقط بعفو القاضي.
وهذا التفصيل في الواقع هو رأي الحنفية والشافعية.
ولكن وردت عبارات لبعض الفقهاء يفهم منها بعمومها أن التعزير مطلقاً يسقط بالتوبة باتفاق الفقهاء.
قال القرافي المالكي: إن التعزير يسقط بالتوبة، ما علمت في ذلك خلافاً (1).
وقال صاحب البحر الزخار الزيدي: يسقط التعزير بالتوبة، ويقرب أنه إجماع المسلمين الآن، لكثرة الإساءات فيما بينهم، ولم يعلم أن أحداً طلب تعزير من اعتذر إليه واستغفر، ولامن أقر بأنه قارف ذنباً خفيفاً، ثم تاب منه، ولاستلزامه تعزير أكثر الفضلاء، إذ لم يخل أكثرهم عن مقارفة ذنب، وظهوره في فعل أو قول (2).
ولعل المراد من هذه العبارات: التعزير الواجب حقاً لله تعالى؛ لأن الخلاف بين التعزير والحد هو في حقوق الله تعالى. أما الحقوق الشخصية فلا تسقط إلا
(1) الفروق: 181/ 4.
(2)
البحر الزخار، ملخصاً منه: 211/ 5.