الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرتد: أن يتبرأ عن الأديان كلها سوى الإسلام، ولو تبرأ عما انتقل إليه كفاه، لحصول المقصود به، وتكون توبة المرتد وكل كافر بإتيانه بالشهادتين (1).
وقال جمهور العلماء: تجب استتابة المرتد والمرتدة قبل قتلهما ثلاث مرات، بدليل حديث أم مروان السابق ذكره، وثبت عن عمر وجوب الاستتابة، ولا يعارض هذا: النهي عن قتل النساء الذي استدل به الحنفية، لأن ذلك محمول على الحربيات، وهذا محمول على المرتدات (2).
والخلاصة: أنه يعرض الإسلام استحباباً عند الحنفية (3)، ووجوباً عند غيرهم على المرتد، فإن كانت له شبهة كشفت له، إذ الظاهر أنه لا يرتد إلا من له شبهة. ويحبس ثلاثة أيام ندباً عند الحنفية، ويعرض عليه الإسلام في كل يوم، فإن أسلم فبها، وإن لم يسلم قتل، لحديث:«من بدل دينه فاقتلوه» (4).
ولا يقتل المرتد إلا الإمام أو نائبه، فإن قتله أحد بلا إذنهما، أساء وعزر، ولكن لا ضمان بقتله ولو كان القتل قبل استتابته، أو كان مميزاً، إلا أن يلحق بدار الحرب فلكل أحد قتله وأخذ مامعه.
2 - حكم مال المرتد وتصرفاته:
لا خلاف في أن المرتد إذا أسلم تكون أمواله على حكم ملكه السابق، ولا خلاف أيضاً في أنه إذا مات، أو قتل، أو لحق بدار الحرب، تزول أمواله عن ملكه.
(1) اللباب شرح الكتاب: 149/ 4، غاية المنتهى: 360/ 3.
(2)
بداية المجتهد: 448/ 2، الشرح الكبير للدردير: 304/ 4، مغني المحتاج: ص 139 وما بعدها، المغني: 124/ 8 وما بعدها، غاية المنتهى: 358/ 3.
(3)
الكتاب مع اللباب: 148/ 4.
(4)
أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقد سبق تخريجه.
واختلف في أن زوال ملكه عن أمواله بالموت أو القتل أو اللحاق بدار الحرب: هل من وقت الردة، أي بأثررجعي، أو عند حدوث هذه الأسباب؟
قال أبو حنيفة (وقوله هو الصحيح في مذهبه)، والشافعي في أظهر أقواله الثلاثة، ومالك على الراجح في مذهبه، وظاهر كلام أحمد: تصبح أموال المرتد بمجرد الردة موقوفة، أي يحجر عليه بالارتداد إلى أن يتقرر مصيره، فإن أسلم تبينا بقاء ملكه، وإن مات أو قتل على ردته أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه، تبينا زوال ملكيته عن أمواله بمجرد ردته، وعند أبي حنيفة: ينتقل ماكان اكتسبه في حال إسلامه إلى ورثته المسلمين؛ لأن ردته بمنزلة موته، فيتحقق شرط توريث المسلم من المسلم، ويصبح مااكتسبه في حال ردته فيئاً للمسلمين، فيوضع في بيت المال؛ لأن كسبه حال ردته كسب مباح الدم ليس فيه حق لأحد، فكان فيئاً كمال الحربي.
وكذلك تكون تصرفات المرتد حال ردته بالبيع والشراء والهبة والوصية ونحوها موقوفة عند أبي حنيفة: إن أسلم تبينا أن تصرفه كان صحيحاً، وإن قتل أو مات على ردته كان تصرفه باطلاً، إلا أن الشافعية قالوا: إذا كان التصرف يحتمل الوقف كالوصية فهو موقوف، وإن لم يحتمل الوقف كالبيع والهبة والرهن، كان التصرف باطلاً؛ لأنهم يقولون ببطلان وقف العقود.
ودليل الشافعية: أن المرتد تزول عصمة نفسه بالردة، فيجب قتله، وكذا تزول عصمة ماله، لأنها تبع لعصمة النفس، فتزول ملكيته عن ماله، ولأنه معرض للقتل، والقتل يؤدي به إلى الموت، والموت تزول به الملكية، بأثر رجعي أي (مستند إلى الماضي) يمتد إلى السبب الذي أدى إلى الموت وهو الردة، غير أنه يدعى إلى الإسلام. ونظراً لاحتمال عودته إلى الإسلام نحكم بتوقف زوال ملكه في الحال، فإن أسلم تبين أن الردة لم تكن سبباً لزوال الملك، وإن قتل أو مات أو
لحق بدار الحرب، تبين أنها وقعت سبباً لزوال الملك من حين حدوثها، والحكم لا يتخلف عن سببه.
وقال الصاحبان، والحنابلة في الراجح عندهم: لا يزول ملك المرتد بمجرد ردته، وإنما يزول بالموت أو القتل، لأن تأثير الردة يظهر في إباحة دمه، لا في زوال ملكه كالمحكوم عليه بالرجم والقصاص، ولأنه مكلف، فيكون كامل الأهلية، فيحكم ببقاء ملكه. وزوال العصمة عن النفس لا يلزم منه زوال الملك بدليل المحكوم عليه بالرجم ونحوه.
إلا أن الحنابلة قالوا: لو لحق المرتد بدار الحرب لم يزل ملكه، وإنما يباح قتله لكل واحد من غير استتابة، ويباح أخذ ماله لمن قدر عليه، لأنه صار حربياً، حكمه حكم الحربيين. وتصبح تصرفات المرتد حينئذ موقوفة. قال ابن مفلح الحنبلي في المبدع: تكون تصرفات المرتد من البيع والهبة والوقف ونحوه موقوفة على المذهب؛ لأنه مال تعلق به حق الغير، فكان التصرف فيه موقوفاً كتبرع المريض، والمذهب أنه يمنع من التصرف فيه. فإن أسلم ثبت ملكه وتصرفاته، وكان ذلك صحيحاً وإلا بطلت، أي إذا مات أو قتل في ردته، كان تصرفه باطلاً، تغليظاً عليه، بقطع ثوابه، بخلاف المريض.
أما الصاحبان فقالا: تزول ملكية المرتد عن أمواله بمجرد اللحاق بدار الحرب مثل الموت أو القتل، وتنتقل كل أمواله لورثته. وتعتبر تصرفات المرتد نافذة في أمواله، إلا أن أبا يوسف قال: تنفذ تصرفاته كتصرف الإنسان العادي الصحيح البدن؛ لأنه يمكنه الرجوع إلى الإسلام، فيتخلص عن القتل. أما المريض: فلا يمكنه دفع المرض عن نفسه، فلا تشابه بينهما.