الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لذا فإنه يلتقي مع أحسن ما في النظامين الحاضرين: الاشتراكي والرأسمالي من مزايا وصفات، ويتجنب ما فيهما من مغالاة وانحراف عن سنن الفطرة الإنسانية، ويسير بأبنائه إذا التزموا مبادئه نحو السعادة الحقيقية التي من أبرز مظاهرها شعور الإنسان بالاستقرار المادي، والاطمئنان النفسي والثقة بالذات، والتمتع بالحرية والكرامة.
وليست فلسفة الإسلام في بناء الحضارة الإنسانية قائمة على مجرد إشباع البطون؛ لأن الإنسان جسم وروح، لا مجرد آلة، وإنما هو يفيض بمشاعر الآمال والآلام، ويحس في قرارة نفسه العجز في يوم ما، والناس يتفاوتون عادة في قدراتهم الإنتاجية بحسب تفاوت استعدادهم الفطري وقواهم الفكرية والجسدية، وليس من العدل ولا من المعقول حرمان إنسان من ثمرات عمله أو الحد منها ما دامت مشروعة.
ولقد حارب الإسلام الثالوث الهدّام المخيف (وهو الفقر والجهل والمرض) وقاوم كل عوامل التخلف الاقتصادي: وهي البطالة ووسائل الكسب غيرالمشروع وإضعاف الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري، كما أنه حقق في الواقع التاريخي مبادئه في التكافل الاجتماعي.
المبحث الثاني ـ المعالم الكبرى لاشتراكية الإسلام:
تمهيد حول مصطلح الاشتراكية:
شاعت كلمة (الاشتراكية) في عصرنا الحاضر بدءاً من القرن التاسع عشر، وتحمس لها الناس لأنها نشأت كرد فعل لظلم الرأسمالية، ولأنهم وجدوا فيها ملامح الإنسانية والعدل والرفاه والمساواة، باعتبار أن النظام الاشتراكي يتضمن
الأسس اللازمة لإسعاد الإنسان سعادة عادلة، ومنع استغلال الإنسان لغيره فرداً أو جماعة، سواء أكان استغلالاً اقتصادياً أم اجتماعياً أم سياسياً. وتتفاوت أنواع الاشتراكية تطرفاً واعتدالاً، بمقدار تنازل أفراد المجتمع للدولة عن الحريات السياسية والمالية. فكلما كان ذلك القدر المتنازل عنه أبعد عن محو شخصية الفرد ومسؤليته، كان أقرب إلى الوضع الطبيعي للإنسان.
ولكن الوسط الديني الإسلامي والمسيحي وأي دين نفر مما صاحب الاشتراكية السائدة من إلحاد وجحود لوجود الله وأصول الدين وعقيدة البعث بالذات بقصد إنصاف الطبقة الكادحة، مع أن هذا الجحود يذوب أمام براهين إثبات الإله المعروفة، بل ولا حاجة إليه إطلاقاً في ميدان العقل والتجربة لإنصاف تلك الطبقات المظلومة أو الكادحة، وإنما على العكس يقتضي العقل والتجربة أن تكون الدعوة لإنصاف هذه الطبقات أجدى فيما إذا اعتمدت على الإيمان بوجود الله وبالحساب يوم الجزاء.
ونتيجة لهذه النفرة مما اقترنت به الاشتراكية من إلحاد أو شيوع في الأموال والأعراض، فضّل كثير من كتاب الإسلام استخدام كلمة أخرى بديلة عنها وهي (العدالة الاجتماعية) أو (التكافل الاجتماعي) أو الضمان الاجتماعي: أي أن يكون كل فرد في الدولة في حمايتها ورعايتها بوصفها ممثلة للجماعة. وعندئذ يتحقق الضمان لآحاد الناس حين يجدون من المجتمع حماية وأمناً واستقراراً.
والحقيقة أن اللغة العربية لا تمنع قبول هذا المصطلح الذي ينبئ عن الاشتراك في الملكيات، كما أن فقه الإسلام الذي يقرر الاعتماد على المقاصد والمعاني لا ينفر من هذه الكلمة فيما تستهدفه من غايات إنسانية، مجردة من العيوب التي صاحبتها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن اشتراك الناس في مصادر الإنتاج الأساسية