الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن المقصود هو التأديب والزجر، لا الهلاك، فإذا أفضى التأديب إلى التلف، تبين أنه تجاوز الحد المشروع له، أو تخطى حدود السلطة المخولة إياه، ولأن هذا الفعل وهو التأديب أمر مباح، فيتقيد بشرط السلامة للغير كالمرور في الطريق العام ونحوه، فإن استيفاء الإنسان حقه مقيد بشرط السلامة للآخرين.
2 -
وقال المالكية والحنابلة والصاحبان من الحنفية (1): لا ضمان في هذه الحالات، ما لم يكن هناك إسراف أو زيادة على ما يحقق المقصود، أو يتجاوز المعتاد؛ لأن التأديب فعل مشروع للزجر والردع، فلا يضمن التالف به، كما هو الشأن عند تطبيق الحدود الشرعية أو التعزيرات (2)، والقاعدة الفقهية تقول:«الجواز الشرعي ينافي الضمان» .
رابعاً ـ نوع الدية ومقدارها:
اختلف الفقهاء على آراء ثلاثة في تحديد نوع الدية، وهي ما يأتي:
1 -
رأي أبي حنيفة ومالك، والشافعي في مذهبه القديم (3): إن الدية تجب في واحد من ثلاثة أنواع: الإبل، والذهب، والفضة. ويجزئ دفعها من أي نوع. ودليلهم ما ثبت في كتاب عمرو بن حزم في الديات: «وإن في النفس الدية، مئة
(1) المغني: 327/ 8، غاية المنتهى: 285/ 3، الأحكام السلطانية لأبي يعلى: ص 266، الميزان للشعراني: 172/ 3، نيل الأوطار: 140/ 7 - 145، البدائع، المكان السابق.
(2)
قارن ذلك بالفقه على المذاهب الأربعة: 292/ 5.
(3)
البدائع: 253/ 7، تكملة فح القدير: 302/ 8 وما بعدها، الدر المختار: 406/ 5 ومابعدها، اللباب: 153/ 3، الشرح الكبير للدردير: 266/ 4 ومابعدها، بداية المجتهد: 401/ 2 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص 347، مغني المحتاج: 53/ 4 - 56.
من الإبل» (1) وأن عمر فرض على أهل الذهب في الدية ألف دينار ومن الورِق عشرة آلاف درهم (2). ورأي أبي حنيفة هو الصحيح في مذهبه.
2 -
رأي الصاحبين وأحمد (3): إن الدية تجب من ستة أجناس، وهي الإبل أصل الدية، والذهب، والفضة، والبقر، والغنم، والحُلل. والخمسة الأولى هي أصول الدية عند الحنابلة، وأما الحلل فليست أصلاً عندهم؛ لأنها تختلف ولا تنضبط. وروي عن أحمد: أنها أصل، وقدرها مئتا حلة من حلل اليمن، كل حلة بُرْدان: إزار ورداء جديدان.
وأي شيء أحضره الملزم بالدية، لزم ولي القتيل قبوله، سواء أكان الجاني من أهل ذلك النوع، أم لا؛ لأنها أصول في قضاء الواجب، يجزئ واحد منها، فكانت الخيرة إلى من وجبت عليه كخصال الكفارة.
ودليل هذا الرأي: أن عمر قام خطيباً فقال: «ألا إن الإبل قد غلت، قال الراوي، فقوَّم على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفاً، وعلى أهل البقر مئتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مئتي حلة» (4). وأخرج أبو داود مثله عن جابر بن عبد الله أنه قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدية على أهل الإبل مئة من الإبل
…
الخ» (5).
(1) سبق تخريجه: وفيه أيضاً: «وعلى أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم» .
(2)
رواه البيهقي من طريق الشافعي، قال: قال محمد بن الحسن: بلغنا عن عمر
…
الخ (نصب الراية: 361/ 4).
(3)
البدائع، ومراجع الحنفية، المكان السابق، المغني: 759/ 7 - 761، كشاف القناع: 16/ 6 وما بعدها.
(4)
رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وأخرجه البيقهي وابن أبي شيبة في مصنفه عن عبيدة السلماني، لكن جاء في هذه الرواية «وعلى أهل الحلل مئة حلة» (نصب الراية: 362/ 4).
(5)
راجع نصب الراية: 363/ 4.
3 -
رأي الشافعي في مذهبه الجديد (1): إن الواجب الأصلي في الدية هو مائة من الإبل إن وجدت، وعلى القاتل تسليمها للولي سليمة من العيوب، فإن عدمت حساً بأن لم توجد في موضع يجب تحصيله منه، أو عدمت شرعاً بأن وجدت فيه بأكثر من ثمن مثلها، فالواجب قيمة الإبل، بنقد البلد الغالب (2)، وقت وجوب تسليمها بالغة ما بلغت؛ لأنها بدل متلف، فيرجع إلى قيمتها عند فقد الأصل. ودليله الحديث السابق وهو ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كانت قيمة الدية على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ثمان مئة دينار، أو ثمانية آلاف درهم، كان ذلك كذلك، حتى استخلف عمر رضي الله عنه، فقام عمر خطيباً، فقال:«ألا إن الإبل قد غلت، فقال: فقوم على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم، وعلى أهل البقر مئتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مئتي حلة» (3) ويؤكده من المعقول أن ما ضمن بنوع من المال وتعذر، وجبت قيمته، كذوات الأمثال (4).
وأما مقدار الدية فيتضح من الأحاديث السابقة، ولم يختلف الفقهاء في المقادير إلا في دراهم الفضة (أي الوَرِق).
وسبب الاختلاف فيها: هو سعر صرف الدينار، فعند الحنفية: الدينار يساوي عشرة دراهم بدليل حديث عَبيدة السلماني المتقدم. وعند الجمهور (5):
(1) مغني المحتاج: 56/ 4، المهذب: 195/ 2 وما بعدها.
(2)
المراد بالبلد: هو المحل الذي يجب التحصيل منه لو كانت موجودة فيه.
(3)
وروي ما يقاربه في المعنى عن الزهري.
(4)
المثليات: هي المكيلات (حنطة أو شعير) والموزونات (قطن أو حديد) والعدديات المتقاربة (جوز أو بيض) والذرعيات (كالقماش).
(5)
راجع بداية المجتهد: 403/ 2، الشرح الكبير للدردير: 267/ 4، المغني: 760/ 7، مغني المحتاج: 56/ 4.