الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى بَعْضِ العُلَمَاءِ (1).
ورَوَى الطَّحَاوِيُّ في شَرْحِ مُشْكِلِ الآثَارِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "سَأَلْتُ رَبِّي عز وجل مَسْأَلةً وَدِدْتُ أنِّي لَمْ أَكُنْ سَأَلْتُهُ، قُلْتُ: أَيْ رَبِّ قَدْ كَانَتْ قَبْلِيَ الأنْبِيَاءُ، مِنْهُمْ مَنْ سَخَّرْتَ لَهُ الرِّيحَ، ثُمَّ ذَكَرَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ صلى الله عليه وسلم، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، ثُمَّ ذَكَرَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم، ومِنْهُمْ ومِنْهُمْ يَذْكُرُ مَا أُعْطُوا.
قَالَ: أَلَمْ أَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَيْتُ؟ قُلْتُ: بَلَى، أَيْ رَبِّ.
قَالَ: أَلَمْ أَجِدْكَ ضَالًّا فَهَدَيْتُ؟ قلتُ: بلَى، أيْ رَبِّ.
قَالَ: ألَمْ أَجِدْكَ عَائِلًا (2) فأَغْنَيْتُ؟ قلتُ: بلَى، أيْ رَبِّ.
قَالَ: ألَمْ أشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، وَوَضَعْتُ عَنْكَ وِزْرَكَ؟
قلْتُ: بَلَى، أَيْ رَبِّ" (3).
*
مَرَاتبُ الوَحْي وَشِدَّةُ نُزُولِهِ:
لِلْوَحْيِ مَرَاتِبُ شَتَّى بَعْضُهَا أَيْسَرُ مِنْ بَعْضٍ:
إحْدَاهَا: الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ، وَكَانَتْ مَبْدَأَ وَحْيِهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا
(1) وانظر فتح الباري (9/ 727)، والبداية والنهاية (3/ 21).
(2)
العَائِلُ: الفَقِيرُ. انظر لسان العرب (9/ 502).
(3)
أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (3966).
جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا.
ثَانِيهَا: مَا كَانَ يُلْقِيهِ الْمَلَكُ في رُوعِهِ وقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَاهُ، فعَنْ ابنِ مسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ". . . إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ، نَفَثَ في رُوعِي أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ عَلَى أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ لَا يُنَالُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ"(1).
ثَالِثُهَا: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَمَثَّلُ لَهُ المَلَكُ رَجُلًا، فيُخَاطِبُهُ حتَّى يَعِي عَنْهُ ما يَقُولُ لهُ، وفِي هذ المَرْتَبَةِ كَانَ يَرَاهُ الصَّحَابَةُ أحْيَانًا (2).
رَابِعُهَا: أَنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ في مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وكَانَ أشَدُّهُ عَلَيْهِ، فيَتَلَبَّسُ بِهِ المَلَكُ حتَّى إِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ (3) عَرَقًا في اليَوْمِ الشَّدِيدِ البَرْدِ، وحتَّى إِنَّ نَاقَتَهُ لَتَبْرُكُ بِهِ إِلَى الأَرْضِ إِذَا كَانَ رَاكِبَهَا، ولَقَدْ جَاءَهُ صلى الله عليه وسلم الوَحْيُ كَذَلِكَ، وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ حَتَّى كَادَتْ تَرُضُّهَا (4).
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك - كتاب البيوع - باب إن اللَّه لا يُنالُ فَضْلُهُ بمَعْصِيَةٍ - رقم الحديث (2181) - وأبو نعيم في الحلية (10/ 26) - وهو حديث صحيح بشواهده.
(2)
انظر حديث عمر رضي الله عنه في: صحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان - رقم الحديث (8)، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يا عُمَرُ أتدرِي مَنِ السَّائِلُ؟ " قلتُ: اللَّهُ ورسوله أعلمُ، قال:"فَإِنَّهُ جبريلُ أتَاكُمْ يُعَلِّمكمْ دِينكُمْ".
(3)
يتفصَّدُ: أي يسيلُ. انظر النهاية (3/ 403).
(4)
قال الحافظ في الفتح (9/ 138): تَرَضُّهَا: أي تَدُقُّهَا.
رَوَى الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ الحَارِثَ بنَ هِشَامٍ رضي الله عنه، سَألَ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: يا رسُولَ اللَّهِ: كيفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ فقَالَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، وهُوَ أشَدُّهُ عَلَيَّ، فيُفْصَمُ عَنِّي، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وأحْيَانًا يتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا فيكَلِّمُنِي فَأَعِي ما يَقُولُ"(1).
وعَنْهَا رضي الله عنها قَالَتْ: ولَقَدْ رأيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ في اليَوْمِ الشَّدِيدِ (2) البَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ، وَإنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا (3).
وفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عنْهَا أيضًا أَنَّهَا قَالَتْ: . . . فَأخَذَهُ ما كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ (4) عِنْدَ الْوَحْي، حتَّى إنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الجُمَانِ (5) مِنَ العَرَقِ، في
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب بدء الوحي إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رقم الحديث (2) - ومسلم في صحيحه - كتاب الفضائل - باب عرق النبي صلى الله عليه وسلم في البردِ، وحينَ يأتيهِ الوحيُ - رقم الحديث (2333)(87).
(2)
قال الحافظ في الفتح (1/ 32): وفي هذا دَلالةٌ على كثرةِ مُعَاناةِ التَّعَبِ، والكَرْبِ عند نُزُولِ الوحيِ، لِما فيه منْ مُخَالَفَةَ العَادَةِ، وهو كثرةُ العرَقِ في شِدَّةِ البردِ، فإنهُ يشعُرُ بوجُودِ أمرٍ طارئٍ زَائدٍ على الطِّباعِ البَشَرِيَّةِ.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب بدء الوحي إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رقم الحديث (2) - ومسلم في صحيحه - كتاب الفضائل - باب عرق النبي صلى الله عليه وسلم في البرد - رقم الحديث (2333).
(4)
تأخُذُهُ البُرَحَاءُ: أي شِدَّةُ الكرب مِنْ ثِقَلِ الوَحْي. انظر النهاية (1/ 113).
(5)
قال الحافظ في الفتح (9/ 418): الجُمانُ هو اللُّؤْلُؤُ، فشُبِّهَتْ قَطَرَاتُ عَرَقِهِ صلى الله عليه وسلم بالجُمَانِ لمُشَابهتها في الصِّفَاتِ والحُسْنِ.
اليَوْمِ الشَّاتِي مِنْ ثِقَلِ القَوْلِ الذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ (1).
خَامِسُهَا: أَنَّهُ يَرَى الْمَلَكَ فِي صُورَتِهِ التِي خُلِقَ عَلَيْهَا، فَيُوحِي إِلَيْهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُوحِيَهُ، وهَذَا وَقَعَ لَهُ صلى الله عليه وسلم مَرَّتَيْنِ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ في سُورَةِ النَّجْمِ (2).
سَادِسُهَا: مَا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ لَيْلَةَ المِعْرَاجِ منْ فَرْضِ الصَّلَاةِ، وَغَيْرِهَا (3).
سَابِعُهَا: كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى لهُ مِنْهُ إِلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةِ مَلَكٍ، كَمَا كَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عليه السلام، وهذِهِ المَرْتَبَةُ هِيَ ثَابِتَةٌ لِمُوسَى عليه السلام
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب التفسير - باب قوله تَعَالَى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا. . .} - رقم الحديث (4750) - ومسلم في صحيحه - كتاب التوبة - باب في حديث الإفك - رقم الحديث (2770).
(2)
أخرج الإمام مسلم في صحيحه - كتاب الإيمان - باب معنى قول اللَّه عز وجل: ولقدْ رآهُ نزلةً أخرى - رقم الحديث (177) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لمْ أرَهُ -يعني جبريل عليه السلام على صُورتهِ التي خُلِقَ عليها غيرَ هاتينِ المَرَّتَيْنِ، رأيته مُنْهَبطًا مِنَ السماء سَادًّا عِظَمُ خلقهِ ما بين السماء إلى الأرض".
وروى الترمذي في جامعه بسند صحيح - كتاب التفسير - باب ومن سورة والنجم - رقم الحديث (3562) عن مَسْروقٍ قال: عن عائشة رضي الله عنها قالت: . . . لم يَرَ محمّد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في صُورتِهِ إلا مرَّتين: مرَّة عند سِدْرَة المُنْتَهَى، ومرَّة في جِيَادٍ لهُ ستمائة جَنَاحٍ قد سَدَّ الأُفُق.
(3)
أخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأنصار - باب المعراج - رقم الحديث (3887) - ومسلم في صحيحه - كتاب الإيمان - باب الإسْرَاءِ برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السَّموات وفرض الصلوات - رقم الحديث (162).
قَطْعًا بِنَصِّ القُرْآنِ (1)، وَثُبُوُتُهَا لِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم هُوَ فِي حَدِيثِ المِعْرَاجِ (2).
وقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ مرْتَبَةً ثَامِنَةً، وهيَ: تَكْلِيمُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ كِفَاحًا مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ، وهذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَأَى ربَّهُ تبارك وتعالى، وهِيَ مَسْأَلةُ خِلَافٍ بَيْنَ السَّلَفِ والخَلَفِ (3).
قَالَ الإِمَامُ البَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الوَحْيُ مِنَ اللَّهِ عز وجل عَلَى أَنْبِيَائِهِ عليهم السلام عَلَى أنْوَاعٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} (4)، قَالَ بعْضُ أهْلِ التَّفْسِيرِ:
الوَحْيُ الأَوَّلُ: مَا أرَاهُمْ فِي المَنَامِ، قَالَ عبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ: رُؤْيَا الأنْبِيَاءَ وَحْيٌ وَقَرَأ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} (5).
وَقَالَ غَيْرُ واحِدٍ منْ أهْلِ التَّفْسِيرِ في قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}
(1) قال تَعَالَى في سورة الأعراف آية (143): {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} .
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأنصار - باب المعراج - رقم الحديث (3887) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الإيمان - باب الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات - رقم الحديث (162).
(3)
انظر زاد المعاد لابن القيم (1/ 79).
(4)
سورة الشورى آية (51).
(5)
سورة الصافات آية (102).