الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
فَضْلُ مَنْ شَهِدَ بَيْعَةَ العَقَبَةِ الثَّانِيَةِ:
رَوَى الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ العَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلَامِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَد بَدْرٍ (1)، وَإِنْ كَانَتْ بَدرٌ أَذْكَرَ (2) فِي النَّاسِ مِنْهَا (3).
قَالَ الشَّيْخُ صَفِيُّ الرَّحْمَنِ المُبَارَكْفُورِي: هَذِهِ هِيَ بَيْعَةُ العَقَبَةِ الثَّانِيَةِ -التِي تُعْرَفُ بِبَيْعَةِ العَقَبَةِ الكُبْرَى- وَقَدْ تَمَّتْ فِي جَوٍّ تَعلُوهُ عَوَاطْفُ الحُبِّ وَالوَلَاءِ وَالتَّنَاصُرِ بَيْنَ أَشْتَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَالثِّقَةَ وَالشَّجَاعَةِ وَالِاسْتِبْسَالِ فِي هَذَا السَّبِيلِ، فَمُؤْمِنٌ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ يَحْنُو عَلَى أَخِيهِ المُسْتَضْعَفِ فِي مَكَّةَ، وَيَتَعَصَّبُ لَهُ، وَيَغْضَبُ مِنْ ظَالِمِهِ، وَتَجِيشُ (4) فِي حَنَايَاهُ مَشَاعِرُ الوُدِّ لِهذَا الأَخِ الذِي أَحَبَّهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ.
وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ المَشَاعِرُ وَالعَوَاطِفُ نَتِيجَةَ نَزْعَةٍ عَابِرَةٍ تَزُولُ عَلَى مَرِّ الأيَّامِ، بَلْ كَانَ مَصْدَرُهَا هُوَ الإيمَانَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وِبِكِتَابِهِ، إِيمَانٌ لَا يَزُولُ أَمَامَ أَيِّ
(1) قال الحافظ في الفتح (7/ 624): لأن مَن شهِدَ غزوة بدر كان كان فاضلًا بِسَبَب أنها أول غزوة نُصِرَ فيها الإسلام، لكن بَيْعَةَ العقبة كانت سَببًا في فَشُوِّ الإسلام، ومنها نشَأَ مشهدُ بدرٍ.
(2)
قال الحافظ في الفتح (7/ 624): أي أكثر ذِكرًا بالفَضْلِ، وشهرَةً بين الناس.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المناقب - باب وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة - رقم الحديث (3889) - ومسلم في صحيحه - كتاب التوبة - باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه - رقم الحديث (2769).
(4)
تجيش: تفيض. انظر لسان العرب (2/ 435).
قُوَّةٍ مِنْ قُوَّاتِ الظُّلْمِ وَالعُدْوَانِ، إِيمَانٌ إِذَا هَبَّتْ رِيحُهُ جَاءَتْ بِالعَجَائِبِ فِي العَقِيدَةِ وَالعَمَلِ، وَبِهَذَا الإِيمَانِ اسْتَطَاعَ المُسْلِمُونَ أَنْ يُسَجِّلُوا عَلَى أَوْرَاقِ الدَّهْرِ أَعمَالًا، وَيتْرُكُوا عَلَيْهَا آثارًا، خَلَا عَنْ نَظَائِرهَا، الغَابِرُ وَالحَاضِرُ، وَسَوْفَ يَخْلُو المُسْتَقْبَلُ (1).
وَقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ الغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: تِلْكم بَيْعَةُ العَقَبَةِ، وَمَا أُبْرِمَ (2) فِيهَا مِنْ مَوَاثِيقَ، وَمَا دَارَ فِيهَا مِنْ مُحَاوَرَاتٍ. . . إِنَّ رُوحَ اليَقِينِ وَالفِدَاءِ وَالِاسْتِبْسَالِ سَادَتْ هَذَا الجَمْعَ وَتَمَشَّتْ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ قِيلَتْ، وَبَدَا أَنَّ العَوَاطِفَ الفَائِرَةَ لَيْسَتْ وَحدها التِي توجِّهُ الحَدِيثَ أَوْ تُمْلِي العُهُودَ كَلَّا، فَإِنَّ حِسَابَ المُسْتَقْبَلِ رُوجعَ مَعَ حِسَابِ اليَوْمِ، وَالمَغَارِمُ (3) المُتَوَقَّعَةُ نُظِرَ إِلَيْها قَبْلَ المَغَانِمِ المَوْهُومَةِ.
مَغَانِمُ؟ أَيْنَ مَوْضُوعُ المَغَانِمِ فِي هذه البَيْعَةِ؟ لقد قَامَ الأَمْرُ كُلُّهُ عَلَى التَّجَرُّدِ المَحْضِ وَالبَذْلِ الخَالِصِ.
هؤُلَاءَ السَّبْعُونَ مُثَلٌ لِانْتِشَارِ الإِسْلَامِ، عَنْ طَرِيقِ الفِكْرِ الحُرِّ وَالِاقْتِنَاعِ الخَالِصِ.
فَقَدْ جَاءُوا مِنْ يَثْرِبَ مُؤْمِنِينَ أَشَدَّ الإيمَانِ، وَمُلَبِّينَ دَاعِيَ التَّضْحِيَةِ، مَعَ أَنَّ مَعرِفتَهُم بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ لَمحَةً عَابِرَةً، غَبَرَتْ عَلَيْهَا الأيَّامُ، وَكَانَ الظَّنُّ بِهَا
(1) انظر الرحيق المختوم ص 154.
(2)
أبرَمَ الأمرَ: أحكمَهُ. انظر لسان العرب (1/ 391).
(3)
المَغْرَمُ: هو الدَّين. انظر لسان العرب (10/ 59).