الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
إسْلَامُ أُخْتِهِ فَاطِمَةَ وَزَوْجِهَا:
وَكَانَتْ فاطِمَةُ بِنْتُ الخَطَّابِ رضي الله عنها قَدْ سَبَقَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ هِيَ وَزَوْجُها سَعِيدُ بنُ زَيْدٍ وَهُوَ أحَدُ العَشَرَةِ المبشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ، وهُوَ ابْنُ عَمِّهَا، وكانَا يُخْفِيانِ إسْلامَهُمَا، وَكانَ خَبَّابُ بنُ الْأَرَتِّ رضي الله عنه مِنْ قُدَماءَ المُسْلِمِينَ يَخْتَلِفُ إِلَى فاطِمَةَ وزَوْجِها يُقْرِئُها القُرْآنَ (1).
*
قِصَّةُ إِسْلَامِ عُمَرَ رضي الله عنه
-:
فَلَمَّا رَجَعَ عُمَرُ رضي الله عنه إِلَى بَيْتهِ أخَذَ يُفَكِّرُ في أمْرِ لَيْلَى بِنْتِ أَبِي حَثَمَةَ وزَوْجِهَا عَامِرِ بنِ رَبِيعَةَ، وكَيْفَ تَفَرَّقَتْ قُرَيْشٌ، وهَاجَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى الحَبَشَةِ، فَقَالَ: كَيْفَ يَحْدُثُ هَذَا؟ مَنْ وَراءَ كُلِّ هَذه الأَحْدَاثِ؟ وَراءَ كُلِّ هَذِهِ الأَحْدَاثِ مُحَمَّدٌ فَعَزَمَ عَلَى قتلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
فَخَرَجَ رضي الله عنه مُتَوَشِّحًا سَيْفَهُ يُرِيدُ قتلَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ ذَكَرُوا لَهُ أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم يَجْتَمعُ مَعَ أصْحَابِهِ في بَيْتٍ عِنْدَ الصَّفا، وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ أرْبَعِينَ ما بَيْنَ رِجالٍ وَنساءٍ، مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وعَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وحَمْزَةُ رضي الله عنهم أجْمَعِينَ آثرُوا المُقامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَخْرُجُوا إِلَى الحَبَشَةِ.
= المستدرك - كتاب معرفة الصحابة - باب ذكر أم عبد اللَّه ليلى بنت أبي حثمة رضي الله عنها رقم الحديث (6979).
(1)
انظر سيرة ابن هشام (1/ 380) - الرَّوْض الأُنُف (2/ 120) - البداية والنهاية (3/ 86).
فَلَقِيَهُ نُعَيْمُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّحَّامُ العَدَوِيُّ رضي الله عنه، وَكَانَ يُخْفِي إِسْلَامَهُ، فَقَالَ: أيْنَ تُرِيدُ يا عُمَرُ؟ قَالَ: أُرِيدُ مُحَمَّدًا هَذَا الصَّابِئَ، الذِي فَرَّقَ أَمْرَ قُرَيْشٍ، وسَفَّهَ أحْلامَهَا، وَعَابَ دِينَهَا، وَسَبَّ آلِهَتَها، فَأَقْتُلَهُ! .
فَقَالَ لَهُ نُعَيْمٌ: واللَّهِ لَقَدْ غَرَّتْكَ نَفْسُكَ يا عُمَرُ! أترَى بَنِي عَبْدِ مَنافٍ، وبَنِي زُهْرَةَ تارِكِيكَ تَمْشِي عَلَى الأَرْضِ، وَقَدْ قتلْتَ مُحَمَّدًا؟ .
أَفَلَا تَرْجعُ إِلَى أَهْلِ بَيْتِكَ فَتُقِيمَ أَمْرَهُمْ؟ قَالَ: وَأَيُّ أَهْلِ بَيْتي؟ قَالَ: أُخْتُكَ فَاطِمَةُ، وزَوْجُها سَعِيدُ بنُ زَيْدٍ قَدْ واللَّهِ أَسْلَمَا، وتَابَعَا مُحَمَّدًا عَلَى دِينهِ، وتَرَكَا دِينَكَ الذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، فارْجعْ إِلَى أَهْلِ بَيْتكَ، فَأَقِمْ أمْرَهُمْ.
فَرَجَعَ عُمَرُ رضي الله عنه عامِدًا إِلَى أُخْتِهِ وزَوْجِهَا، وعِنْدَهُما خَبَّابُ بنُ الْأَرَتِّ رضي الله عنه مَعَهُ صَحِيفَةٌ فِيهَا (سُورَةُ طَهَ) يُقْرِئُهُما إيَّاهَا -وَكَانَ خَبَّابٌ يَخْتَلِفُ إلَيْهِما ويُقْرِئُهُما القُرآنَ- وفي رِوايَةٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ الرَّجُلَ والرَّجُلَيْنِ إِذَا أسْلَما عِنْدَ الرَّجُلِ الذِي في يَدِهِ السَّعَةُ يَكُونَانِ مَعَهُ يُصِيبَانِ مِنْ طَعَامِهِ، وَقَدْ ضَمَّ إِلَى زَوْجِ أُخْتِ عُمَرَ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ أَسْلَمَ أحَدُهُمَا: خَبَّابٌ، فَلَمَّا سَمِعُوا حِسَّ عُمَرَ، تَغَيَّبَ خَبَّابٌ رضي الله عنه في مَخْدَعٍ (1) لَهُمْ، وأخَذَتْ فاطِمَةُ الصَّحِيفَةَ فَجَعَلَتْها فَخِذَها -أيْ تَحْتَ فَخِذِها-، وَقَدْ سَمِعَ عُمَرُ حِينَ دَنَا إِلَى البَيْتِ قِراءَةَ خَبَّابٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِما قَالَ: ما هَذِهِ الهَيْنَمَةُ (2) التِي سَمِعْتُها عِنْدَكُمْ؟ فَقَالا: مَا عَدَا حَدِيثًا
(1) المَخْدَعُ: هوَ البيتُ الصَّغيرُ الذي يكون داخلَ البيتِ الكبيرِ. انظر النهاية (2/ 15).
(2)
الهَيْنَمَةُ: الكلامُ الخَفِيُّ الذي لا يُفهم. انظر لسان العرب (15/ 148).
تَحَدَّثْنَاهُ بَيْنَنَا، قَالَ: فَلَعَلَّكُمَا قَدْ صَبَوتُمَا؟ فَقَالَ لَهُ سَعِيدُ بنُ زَيْدٍ زَوْجُ فاطِمَةَ: يَا عُمَرُ أرَأَيْتَ إِنْ كَانَ الحَقُّ في غَيْرِ دِينِكَ؟ فَضَرَبَ عُمَرُ سَعِيدَ بنَ زَيْدٍ ضَربَةً شَدِيدَةً، فَسَقَطَ، فَقامَتْ فاطِمَةُ لَتَمْنَعَ زَوْجَها سَعِيدًا مِنْ عُمَرَ، فَضَرَبَهَا عُمَرُ فَشَجَّهَا حَتَّى سَالَ مِنْهَا الدَّمُ، فَلَمَّا فَعَلَ عُمَرُ بِهِمْ ذَلِكَ قَالا لَهُ: نَعَمْ قَدْ أَسْلَمْنَا، وآمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولهِ، فاصْنَعْ ما بَدا لَكْ! ! .
فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ ما بِأُخْتِهِ مِنَ الدَّمِ نَدِمَ عَلَى ما صَنَعَ، وارْعَوَى (1)، وهَدَأَتْ نَفْسُهُ، فَقَالَ لِأُخْتِهِ: أعْطِينِي هَذِهِ الصَّحِيفَةَ التِي سَمِعْتُكُمْ تَقْرَأُونَها آنِفًا، أنْظُرْ ما هَذَا الذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ -وَكانَ عُمَرُ يَقْرَأُ وَيَكْتُبُ- فَقالَتْ لَهُ أُخْتُهُ فاطِمَةُ: إنَّا نَخْشاكَ عَلَيْهَا، قَالَ: لا تَخافِي، وحَلَفَ لَهَا بآلِهَتِهِ لَيَرُدَّنَّهَا إلَيْهَا إِذَا قَرَأَها، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ، طَمِعَتْ في إسْلامِهِ، فَقالَتْ لَهُ: يا أخِي إنَّكَ نَجِسٌ عَلَى شِرْكِكَ، وإنَّهُ لا يَمَسُّها إِلَّا المُطَهَّرُونَ، فَقُمْ فاغْتَسِلْ، فَقامَ عُمَرُ فاغْتَسَلَ، فَأَعْطَتْهُ الصحِيفَةُ، فَقَرَأَ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (2).
حَتَّى انتهَى إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (3).
(1) ارْعَوَى: كفَّ وارْتَدَع. انظر لسان العرب (5/ 253).
(2)
سورة طه آية (1 - 5).
(3)
سورة طه آية (14).
فَرَقَّ قَلْبُهُ، وَقَالَ: ما أحْسَنَ هَذَا الكَلَامَ وأكْرَمَهُ، ما يَنْبَغِي لِمَنْ يَقُولُ هَذَا الكَلَامَ أَنْ يُعْبَدُ مَعَهُ غَيْرُهُ، دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ خَبَّابٌ خَرَجَ إِلَيْهِ فَقَالَ له: أَبْشِر يا عُمَرُ، فَإِنِّي واللَّهِ لَأَرجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ خَصَّكَ بِدَعْوَةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ:"اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ بِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ أَوْ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ"، فَاللَّهَ اللَّه يا عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَدُلَّنِي يا خَبَّابُ عَلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى آتِيَهُ فَأُسْلِمَ، فَقَالَ له خَبَّابٌ: هُوَ في دارِ أَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ بِأَسْفَلِ الصَّفَا، مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَخَذَ عُمَرُ سَيْفَهُ، فتَوَشَّحَهُ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأَصْحَابِهِ في دَارِ الأَرْقَمِ، فَضَرَبَ البَابَ، فَقامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فنَظرَ مِنْ خَلَلِ (1) البابِ فَرَآهُ مُتَوَشِّحًا السَّيْفَ، فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهُوَ فَزِعٌ، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ مُتَوَشِّحًا السَّيْفَ، وَوَجِلَ القَوْمُ، فَقَالَ لَهُمْ حَمْزَةُ رضي الله عنه: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَقَالَ: افْتَحُوا لَهُ البَابَ، فَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ خَيْرًا بَذَلْناهُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ شَرًّا قتَلْنَاهُ بِسَيْفِهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ائْذَنْ لَهُ"، فَفَتَحُوا لَهُ، ونَهَضَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى لَقِيَهُ، فَأَخَذَ بِمَجامِعِ ثَوْبِهِ، ثُمَّ جَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، فَمَا تَمالَكَ عُمَرُ أَنْ وَقَعَ عَلَى رُكبتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم:"مَا جَاءَ بِكَ يا ابْنَ الخَطَّابِ؟ ، فَواللَّهِ مَا أرَى أَنْ تَنْتَهِيَ حَتَّى يُنْزِلَ اللَّهُ بِكَ قَارِعَةً".
فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! جِئْتُ لِأُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ
(1) خَلَلُ البابِ: شِقُّ البابِ أو الفُرْجَةُ. انظر النهاية (2/ 69).