الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا} (1).
*
الكَافِرُ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ فِي الآخِرَةِ:
رَوَى أَبُو دَاوُدَ في سُنَنِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَنَّ العَاصَ بنَ وَائِلٍ السَّهْمِيَّ أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنهُ مِائَةُ رَقَبَةٍ، فَأَعْتَقَ ابْنُهُ هِشَامٌ خَمْسِينَ رَقَبَةً، فَأرَادَ ابْنُهُ عَمْرٌو أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ الخَمْسِينَ البَاقِيَةَ، فَقَالَ: حَتَّى أسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فأتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَبِي أوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ مِائَةُ رَقَبَةٍ، وَإِنَّ هِشَامًا أعْتَقَ عَنْهُ خَمْسِينَ، وبَقِيَتْ عَلَيْهِ خَمْسُونَ رَقَبَةً، أَفَأُعْتِقُ عَنْهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا فَأَعْتَقْتُمْ عَنْهُ، أَوْ تَصَدَّقْتُمْ عَنْهُ، أَوْ حَجَجْتُمْ عَنْهُ: بَلَغَهُ ذَلِكَ"(2).
*
النَّضْرُ بنُ الحَارِثِ وعَبْدُ اللَّهِ بنُ الزِّبَعْرَى:
وكَانَ النَّضْرُ بنُ الحَارِثِ، وعَبْدُ اللَّهِ بنُ الزِّبَعْرَى (3) مِمَّنْ نَصَبَ العَدَاوَةَ
(1) سورة مريم الآيات (77 - 80).
والخبر أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب البيوع - باب ذكر القَيْنِ والحَدَّاد - رقم الحديث (2091) - وأخرجه في كتاب التفسير - باب {كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} - رقم الحديث (4734) - ومسلم في صحيحه - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم - باب سؤال اليهود الرسول صلى الله عليه وسلم عن الروح - رقم الحديث (2795).
(2)
أخرجه أبو داود في سننه - كتاب الوصايا - باب ما جاء في وصية الحربي يُسلم - رقم الحديث (2883) - وأورده ابن الأثير في جامع الأصول - رقم الحديث (9260).
(3)
هو عبدُ اللَّه بن الزِّبَعْرَى القُرَشِيُّ السَّهْمِيُّ، كَانَ مِنْ أشَدِّ الناسِ على رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم =
لرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَدْ أخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ في شَرْحِ مُشْكِلِ الآثَارِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا مَعَ الوَليدِ بنِ المُغِيرَةِ في المَسْجِدِ، فَجَاءَ النَّضْرُ بنُ الحَارِثِ حَتَّى جَلَسَ مَعَهُمْ، وفِي المَجْلِسِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ، فتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَرَضَ لَهُ النَّضْرُ بنُ الحَارِثِ، فكَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حتَّى أفْحَمَهُ، ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِ وعَلَيْهِمْ قَوْلَهُ تَعَالَى:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ} (1).
ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وأقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى السَّهْمِيُّ حَتَّى جَلَسَ، فَقَالَ الوَليدُ بنُ المُغِيرَةِ لعَبْدِ اللَّهِ بنِ الزِّبَعْرَى: وَاللَّهِ مَا قَامَ النَّضْرُ بنُ الحَارِثِ لابْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ آنِفًا ومَا قَعَدَ، وقَدْ زَعَمَ مُحَمَّد أنَّا ومَا نَعْبُدُ مِنْ آلِهَتِنَا هَذِهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ، فقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ الزِّبَعْرَى: أمَا وَاللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ لَخَصَمْتُهُ، فَسَلُوا مُحَمَّدًا: أَكُلُّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ في جَهَنَّمَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ؟ .
فنَحْنُ نَعْبُدُ المَلَائِكَةَ، واليَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا، والنَّصَارَى تَعْبُدُ عِيسَى ابنَ
= وعلى المسلمينَ بلِسَانِهِ ونفْسِه وَكَانَ مِنْ أشْعَرِ الناسِ وأبْلَغِهِمْ، حتى قالوا: أَنَّهُ أشْعَرُ قريشٍ قَاطِبَةً.
ثمَّ أسلمَ في فَتْحِ مَكَّةَ، وحسُنَ إسلامُهُ، واعتذرَ إلى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَبِلَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُذْرَهُ. انظر الإصابة (4/ 76).
(1)
سورة الأنبياء آية (98 - 100).
مَرْيَمَ، فَعَجِبَ الوَليدُ، ومَنْ كَانَ مَعَهُ في المَجْلِسِ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّه بنِ الزِّبَعْرَى، ورَأَوْا أَنَّهُ قَدِ احْتَجَّ وخَاصَمَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِ ابنِ الزِّبَعْرَى، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"كُلُّ مَنْ أحَبَّ أَنْ يُعْبَدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَهُوَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ، إِنَّهُمْ إِنَّمَا يَعْبُدُونَ الشَّيَاطِينَ، ومَنْ أمَرَتْهُمْ بِعِبَادَتِهِ".
فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى في ذَلِكَ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} (1).
يَعْنِي عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ، وعُزَيْرٌ عليهما السلام، ومَنْ عُبِدُوا مِنَ الأحْبَارِ والرُّهْبَانِ الذِينَ مَضَوْا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، فَاتَّخَذَهُمْ مَنْ يَعْبُدُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ أرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، أُولَئِكَ عَنِ النَّارِ مُبْعَدُونَ لا يَدْخُلُونَهَا أَبَدًا.
ونَزَلَ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ أمْرِ عِيسَى ابنِ مَرْيَمَ عليه السلام أَنَّهُ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وعَجِبَ الوَليدُ، ومَنْ حَضَرَهُ مِنْ حُجَّتِهِ وخُصُومَتِهِ، قوله تَعَالَى:{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (2) (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} (3).
(1) سورة الأنبياء آية (101 - 102).
(2)
أي يَضْحَكُونَ. انظر تفسير ابن كثير (7/ 234).
(3)
سورة الزخرف آية (57).
ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِيسَى ابنَ مَرْيَمَ عليه السلام، فَقَالَ تَعَالَى:{إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ (1) فَلَا تَمْتَرُنَّ (2) بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} (3).
رَوَى الإِمَامُ أحمَدُ في مُسْنَد بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: . . . إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِقُرَيْشٍ: "يَا مَعْشَرَ قُريْشٍ، إنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِيهِ خَيْرٌ"، وقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ النَّصَارَى تَعْبُدُ عِيسَى ابنَ مَرْيَمَ، ومَا تَقُولُ فِي مُحَمَّدٍ، فقَالُوا: يا مُحَمَّدُ، ألَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عِيسَى كَانَ نَبِيًّا وعَبْدًا مِنْ عِبَادِ
(1) قال ابن إسحاق في السيرة (1/ 398) في تفسير هذه الآية: أي ما وُضِعت على يديه من الآيات، من إحْيَاءِ المَوْتى، وإبراءِ الأسقام، فكفَى به دَلِيلًا على عِلْمِ السَّاعَةِ.
وتعقَّبه الحافظ ابن كثير في تفسيره (7/ 236) فقال: وفي هذا نَظَم. . . والمرادُ بذلك نُزُولُهُ عليه السلام قبل يَوْم القِيَامَةِ، كَمَا قال تبارك وتعالى:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} أي: قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى عليه السلام، ثم {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [سورة النساء آية (159)]، ويؤيِّدُ هذا المَعْنى القراءَةُ الأخْرَى "وإنه لَعَلَمٌ للسَّاعَةِ" أي: أمَارَةٌ ودَلِيلٌ على وُقُوعِ السَّاعة.
وقد تواتَرَت الأحاديثُ عن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أنه أخْبَرَ بِنُزُولِ عِيسَى ابنِ مريمَ عليه السلام قبلَ يَوْمِ القِيَامَةِ إمَامًا عَادِلًا، وحَكَمًا مُقْسِطًا.
(2)
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (7/ 236): أي لا تشُكُّو فيها، إنهَا واقِعَةٌ وكائِنَةٌ لا مَحَالة.
(3)
سورة الزخرف آية (59 - 61). والخبر أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (986)(988) - والحاكم في المستدرك - كتاب التفسير - باب مذاكرة الساعة - رقم الحديث (3501) - وابن إسحاق في السيرة (1/ 397).