الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجَهْرُ بالدَّعْوَةِ
وأوَّلُ ما نَزَلَ بهَذَا الصَّدَدِ قولُهُ تَعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} (1).
والسُّورَةُ التِي وَقَعَتْ فِيهَا الآيَةُ -وهِيَ سُورَةُ الشُّعَرَاءَ- ذُكِرَتْ فِيهَا أوَّلًا قِصَّةُ مُوسَى عليه السلام مِنْ بِدَايَةِ نُبُوَّتِهِ إِلَى هِجْرَتِهِ مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ، ونَجَاتِهِمْ مِنْ فِرْعَونَ وقَوْمِهِ، وإغْرَاقِ آلِ فِرْعَونَ مَعَهُ، وقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ القِصَّةُ عَلَى جَمِيعِ المَرَاحِلِ التِي مَرَّ بِهَا مُوسَى عليه السلام خِلالَ دَعْوَةِ فِرْعَونَ وقَوْمِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وهَذَا التَّفْصِيلُ إِنَّمَا جِيءَ بِهِ حِينَ أُمِرَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِدَعْوَةِ قَوْمِهِ إِلَى اللَّهِ، لِيَكُونَ أَمَامَهُ، وأَمَامَ أَصْحَابِهِ نَمُوذَجًا لِمَا سَيَلْقَونَهُ مِنَ التَّكْذِيبِ، والِاضْطِهَادِ حِينَمَا يَجْهَرُونَ بالدَّعْوَةِ، ولِيَكُونُوا عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أمْرِهِمْ مُنْذُ بِدَايَةِ دَعْوَتِهِمْ.
(1) سورة الشعراء الآيات من: (214 - 216).
ومِنْ نَاحِيَةٍ أخْرَى تَشْتَمِلُ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى ذِكْرِ مَألِ المُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ، مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، وعَادٍ، وثَمُودَ، وقَوْمِ إبْرَاهِيمَ، وقَوْمِ لُوطٍ، وأصْحَابِ الأَيْكَةِ -عِلَاوَةً عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أمْرِ فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ- لِيَعْلَمَ الذِينَ سَيَقُومُونَ بِالتَّكْذِيبِ بِمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ أمْرُهُمْ، وبِمَا سَيَلْقَوْنَ مِنْ مُؤَاخَذَةِ اللَّهِ إنِ اسْتَمَرُّوا عَلَى التَّكْذِيبِ، وليَعْرِفَ المُؤْمِنُونَ أَنَّ حُسْنَ العَاقِبَةِ لَهُمْ لَا لِلْمُكَذِّبِينَ (1).
ثُمَّ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (2).
قَالَ ابنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عز وجل أمَرَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَصْدَعَ بِمَا جَاءَهُ مِنْهُ، وَأَنْ يُبادِيَ النَّاسَ بِأَمْرِهِ، وَأَنْ يَدْعُوَ إِلَيْهِ، وكَانَ بَيْنَ مَا أَخْفَى رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أمْرَهُ، واسْتَترَ بِهِ إِلَى أَنْ أمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِظْهَارِ دِينِهِ ثَلاثَ سِنِينَ -فِيمَا بَلَغَنِي- مِنْ مَبْعَثِهِ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ:{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (3).
رَوَى الإِمَامُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ عَنْ عبدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: ما زَالَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَخْفِيًا، حتَّى نَزَلَتْ:{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} فَخَرَجَ هُوَ وأصْحَابُهُ (4).
(1) انظر الرحيق المختوم ص 78.
(2)
سورة الحجر آية (94).
(3)
انظر سيرة ابن هشام (1/ 299).
(4)
انظر تفسير الطبري (7/ 549)، وتفسير ابن كثير (4/ 551).