الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيْنَهُمْ أَيَّمَا اشْتِهَارٍ، ولَبَقِيَ عِنْدَهُ صلى الله عليه وسلم حِسُّ النُّبُوَّةِ، ولَمَا أَنْكَرَ مَجِيءَ الوَحْيِ إِلَيْهِ أَوَّلًا بِغَارِ حِرَاءٍ، وأتَى خَدِيجَةَ رضي الله عنها خَائِفًا عَلَى عَقْلِهِ. . . وأَيْضًا فَلَوْ أَثَّر هَذَا الخَوْفُ فِي أَبِي طَالِبٍ وَرَدَّهُ، كَيْفَ كَانَتْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنَ
السَّفَرِ إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا لِخَدِيجَةَ؟
وفِي الحَدِيثِ أَلْفَاظٌ مُنْكَرَةٌ، تُشْبِهُ ألْفَاظَ الطُرُقِيَّةِ (1)، مَعَ أَنَّ ابْنَ عَائِذٍ قَدْ رَوَى مَعْنَاهُ فِي مَغَازِيهِ دُونَ قَوْلهِ: وبَعَثَ مَعَهُ أبَا بَكْرٍ وَبِلَالًا (2).
قُلْتُ: وَقَعَ عِنْدَ ابنِ إِسْحَاقَ (3) بِنَحْوِ سِيَاقِ التِّرْمِذِيِّ، ولَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ وَبِلَالٍ رضي الله عنهما، ولَكِنَّهَا بِدُونِ سَنَدٍ، فَيُسْتَأْنَسُ بِرِوَايَتِهِ لِإِمَامَتِهِ في المَغَازِي.
ورَحِمَ اللَّهُ أَحْمَد شَوْقِي حَيْثُ قَالَ:
لَمَّا رَآهُ بَحِيرَا قَالَ نَعْرِفُهُ
…
بِمَا حَفِظْنَا مِنَ الْأَسْمَاءَ وَالسِّيَمِ (4)
*
رَعْيُهُ صلى الله عليه وسلم للْغَنَمِ:
قَالَ ابنُ سَعْدٍ في طَبَقَاتِهِ: وكَانَ أَبُو طَالِبٍ لَا مَالَ لَهُ (5).
(1) الطُّرُقِيَّة: هم الصُّوفِية.
(2)
انظر السِّيرة النَّبوِيَّة للإمام الذهبي (1/ 58).
(3)
انظر سيرة ابن هشام (1/ 217).
(4)
السيّم: جمع سيمة، وهي العلامة. انظر لسان العرب (6/ 441).
ومنه قوله تَعَالَى في سورة الفتح آية (29): {. . .سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} .
(5)
انظر الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (1/ 56).
فَلَمَّا عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذِهِ الرِّحْلَةِ بَدَأَ سَعْيُهُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ، وَقَدِ اشْتَغَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي صِبَاهُ بِرَعْي الغَنَمِ، وَرَعَاهَا لِبَعْضِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَبِذَلِكَ ضَرَبَ مَثَلًا عَالِيًا مِنْ صِغَرِهِ فِي اكْتِسَابِ الرِّزْقِ بِالْكَدِّ، وَالتَّعَبِ.
قَالَ أَحْمَد شَوْقِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ فِي شَبَابِهِ
…
لَا يَدَعُ الرِّزْقَ وَطَرْقَ بَابِهِ
أَيُّ رسُولٍ أَوْ نَبِيٍّ قَبْلَهُ
…
لَمْ يَطْلُبِ الرِّزْقَ وَيَبْغِ سُبْلَهُ؟
مُوسَى الكَلِيمُ اسْتُؤْجِرَ اسْتِئْجَارًا
…
وَكَانَ عِيسَى (1) فِي الصِّبَا نَجَّارًا
رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ"، فقَالَ أصْحَاُبهُ: وأنْتَ؟ فقَالَ: "نَعَمْ، كنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ (2) لِأَهْلِ مَكَّةَ"(3).
ورَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ في الأَدَبِ المُفْرَدِ والطَّيَالِسِيُّ في مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ حَزْنٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بُعِثَ مُوسَى وَهْوُ رَاعِي غَنَمٍ،
(1) لم يَثْبُتْ أَنَّ عيسى عليه السلام كان نَجارًا، وإنما كان كما قال اللَّه تَعَالَى في كتابه الكريم عنه: أنه يَشْفي المَرضى، ويُبْرِئُ الأكمه، ويُحْيِي الموتى بإذن اللَّه.
وثبت في صحيح مسلم - رقم الحديث (2379) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "كَانَ زَكَرِيَّا نجارًا".
(2)
قال الحافظ في الفتح (5/ 199): القِيرَاطُ: هو جُزْءٌ من الدِّينارِ والدِّرهم.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب السلم - باب الإجارة رقم الحديث (2262).