الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَهَمُّ الأحْدَاثِ فِي حَيَاةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ
ومِنْ أهَمِّ الأحْدَاثِ التِي وَقَعَتْ فِي حَيَاةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ أمْرَانِ: حَفْرُ بِئْرِ زَمْزَمَ، وحَادِثُ الفِيلِ.
*
أمَّا زَمْزَمُ
(1):
فَكَانَتْ سُقْيَا مِنَ اللَّهِ، وخُلَاصَةُ أمْرِهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ عَبْدُ المُطَّلِبِ: إنِّي لَنَائِمٌ في الحِجْرِ إذْ أتَانِي آتٍ (2) فقَالَ لِي: احْفِرْ طَيْبَةَ (3) قَالَ: قُلْتُ: ومَا طَيْبَةُ؟ قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ الغَدُ رَجَعْتُ إِلَى مَضْجِعِي، فَنِمْتُ فِيهِ، فَجَاءَنِي، فَقَالَ: احْفِرْ بَرَّةَ (4)
(1) زَمْزَمُ: هي البِئْرُ المعرُوفَةُ في مكَّةَ المُكَرَّمة. انظر النهاية (2/ 282).
وجاء في فضلِ مائِهَا أحاديثُ كثِيرةٌ منها:
روى مسلم في صحيحه - رقم الحديث (2473) عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّها مُبَارَكَةٌ، إنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ".
قال الإمام النووي في شرح مسلم (16/ 26): أي أنَّها تُشْبعُ شَارِبَهَا كمَا يُشْبِعُهُ الطَّعَامُ.
(2)
أي في المَنَامِ.
(3)
قال السهيلي في الرَّوْض الأُنُف (1/ 258): لأنها للطيِّبِيَن والطيِّباتِ مِنْ ولَدِ إبرَاهِيمَ وإسْمَاعِيلَ عليهما السلام.
(4)
قال السهيلي في الرَّوْض الأُنُف (1/ 258): وهو اسمٌ صَادِقٌ عليها أيضًا لأنَّهَا فاضَتْ للأبرارِ، وغاضَتْ عَنِ الفُجَّارِ.
قَالَ: قُلْتُ: وَمَا بَرَّةُ؟ قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي، فَلَمَّا كَانَ الغَدُ رَجَعْتُ إِلَى مَضْجِعِي، فَنِمْتُ فِيهِ، فَجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرِ المَضْنُونَةَ (1) قَالَ: قُلْتُ: ومَا المَضْنُونَةُ؟ قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي، فَلَمَّا كَانَ الغَدُ رَجَعْتُ إِلَى مَضْجِعِي، فَنِمْتُ فِيهِ، فجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرْ زَمْزَمَ (2) قَالَ: قُلْتُ: ومَا زَمْزَمُ؟ قال: لَا تُنْزَفُ (3) أبَدًا، ولَا تُذَمُّ (4) تَسْقِي الحَجِيجَ الأعْظَمَ، وهِيَ بَيْنَ الفَرْثِ (5) والدَّمِ، عِنْدَ نَقْرَةِ الغُرَابِ الأَعْصَمِ (6) عِنْدِ قَرْيَةِ النَّمْلِ (7).
قَالَ: فَلَمَّا بُيِّنَ لَهُ شَأْنَهَا، وَدُلَّ عَلَى مَوْضِعِهَا، وعَرَفَ أنَّهُ قَدْ صَدَقَ، غَدَا بِمِعْوَلِهِ، ومَعَهُ ابْنُهُ الحَارِثُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، ولَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرُهُ، فَحَفَرَ فَلَمَّا بَدَا لِعَبْدِ المُطَّلِبِ الطَّيَّ، كَبَّرَ فَعَرَفَتْ قُرَيْشٌ أنَّهُ قَدْ أدْرَكَ حَاجَتَهُ، فَقَامُوا
(1) قال السهيلي في الرَّوْض الأُنُف (1/ 258 - 259): لأنها ضُنَّ بها على غَيْرِ المُؤْمِنين، فلا يَتَضَلَّعُ منها مُنَافِقٌ، والتَّضَلُّعُ يعنِي مَنْ أكْثَرَ مِنَ الشُّربِ حتى تَمَدَّدَ جَنْبُهُ وأضْلَاعُهُ، فقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إن آيةَ ما بيننا وبين المنافقينَ، أنهم لا يتضلَّعونَ من زمزم" رواه ابن ماجه في سننه - رقم الحديث (3061) وإسناده ضعيف.
(2)
زمزَم: سُميت بذلك لكَثْرَةِ مائِهَا. انظر النهاية (2/ 282).
(3)
لا تُنْزَفُ: بضم التاء وفتح الزاي: أي لا يَفْنَى ماؤُهَا على كثرةِ الاسْتِقَاءِ. النهاية (5/ 36).
(4)
لا تُذَمُّ: أي لا تُعَابُ. انظر النهاية (2/ 156).
(5)
الفَرْثُ: الكَرْشُ وما فِيهَا. لسان العرب (10/ 208).
(6)
الغُرَابُ الأعْصَمُ: الذي في جنَاحَيْهِ بَيَاضٌ. انظر النهاية (3/ 226).
(7)
قال الإمام السهيلي في الرَّوْض الأُنُف (1/ 261): أما قرية النَّمْلِ، ففيها مِنَ المُشاكَلَةِ أيضًا والمُنَاسَبَةِ: أَنَّ زمزمَ هيَ عَيْنُ مكَّةَ التي يَرِدُهَا الحَجيجُ، والعُمَّارُ مِنْ كُلِّ جانِبٍ، فيَحْمِلُونَ إليها البُرَّ والشَّعِيرَ، وغير ذلك وهي لا تُحْرَثُ ولا تُزْرعُ، وقريةُ النَّملِ لا تُحْرَثُ ولا تُبْذَرُ وتَجْلِبُ الحُبُوبَ إلى قَرْيَتِهَا مِنْ كُلِّ جانِبٍ.
إلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا عَبْدَ المُطَّلِبِ إنَّهَا بِئْرُ أبِينَا إسْمَاعِيلَ، وإنَّ لَنَا فِيهَا حَقًّا فَأَشْرِكْنَا مَعَكَ فِيهَا، فَقَالَ: مَا أنَا بِفَاعِلٍ، إِن هَذَا الأَمْرَ قَدْ خُصِصْتُ بِهِ دُونَكُمْ، وأُعْطِيتُهُ مِنْ بَيْنِكُمْ، فَقَالُوا لَهُ: فأنْصِفْنَا فَإِنَّا غَيْرُ تَارِكِيكَ حَتَّى نُخَاصِمَكَ فِيهَا، قَالَ: فَاجْعَلُوا بَيْنِي وبَيْنَكُمْ مَنْ شِئْتُمْ أُحَاكِمُكُمْ إلَيْهِ، قَالُوا: كَاهِنَةُ بَنِي سَعْدٍ "هُذَيْمٌ" قَالَ: نَعَمْ، وكَانَتْ فِي مَنْطِقَةِ مَعَانٍ مِنْ مَشَارِفِ الشَّامِ، فَخَرَجَوُا إلَيْهَا، وخَرَجَ مَعَ عَبْدِ المُطَّلِبِ عِشْرُونَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وخَرَجَتْ قُرَيْشٌ بِعِشْرِينَ رَجلٍ مِنْ قَبَائِلِهَا فَلَمَّا كَانُوا بِالفَقِيرِ مِنْ طَرِيقِ الشَّامِ أَوْ حَذْوِهِ فَنِيَ مَاءُ عَبْدِ المُطَّلِبِ وأصْحَابِهِ، فَظَمِئُوا حتَّى أيْقَنُوا بالهَلَكَةِ، فَاسْتَسْقَوْا مَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إنَّا بِمَفَازَةٍ، ونَحْنُ نَخْشَى عَلَى أنْفُسِنَا مِثْلَ مَا أصَابَكُمْ، فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ المُطَّلِبِ مَا صَنَعَ القَوْمُ، ومَا يَتَخَوَّفُ عَلَى نَفْسِهِ وأصْحَابِهِ، قَالَ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: مَا رَأْيُنَا إلَّا تَبَعٌ لِرَأْيِكَ، فَمُرْنَا بِمَا شِئْتَ، قَالَ: فَإِنِّي أرَى أَنْ يَحْفِرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ حُفْرَتَهُ لِنَفْسِهِ بِمَا بِكُمُ الآنَ مِنْ الْقُوَّةِ، فَكُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ دَفَعَهُ أصْحَابُهُ فِي حُفْرَتِهِ ثُمَّ وَارُوهُ، حتَّى يَكُونَ آخِرُكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا، فَضَيْعَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْسَرُ مِنْ ضَيْعَةِ رَكْبٍ جَمِيعًا، فَحَفَرُوا القُبُورَ، ثُمَّ قَعَدُوا يَنْتَظِرُونَ المَوْتَ عَطَشًا، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ المُطَّلِبِ قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ إلْقَاءَنَا بِأَيْدِينَا هَكَذَا لِلْمَوْتِ، لَا نَضْرِبُ فِي الأرْضِ ولَا نَبْتَغِي لِأَنْفُسِنَا، لَعَجْزٌ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَنَا مَاءً بِبَعْضِ البِلَادِ، ارْتَحِلُوا، وَقَامَ عَبْدُ المُطَّلِبِ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا، فَلَمَّا انْبَعَثَتْ بِهِ، انْفَجَرَتْ مِنْ تَحْتِ خُفِّهَا عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ، فَكَبَّر عَبْدُ المُطَّلِبِ، وَكَبَّرَ