الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
مُجَادَلةُ أُبِيِّ بنِ خَلَفٍ:
أَمَّا أَخُوهُ أُبَيُّ بنُ خَلَفٍ (1) فَجَاءَ يَوْمًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَظْمٍ بَالٍ، فَقَالَ: يا مُحَمَّدُ! أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ هَذَا بَعْدَ مَا أَرِمَ (2)، ثُمَّ فتَّهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ نَفَخَهُ نَحْوَ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ أنَا أقُولُ ذَلِكَ، يَبْعَثُهُ اللَّهُ وإِيَّاكَ بَعْدَمَا تَكُونَانِ هَكَذَا، ثُمَّ يُدْخِلُكَ النَّارَ. فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ:{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (3).
رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ، والطَّحَاوِيُّ في شَرْحِ مُشْكِلِ الآثَارِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ رضي الله عنهما، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلاةَ يَوْمًا، فَقَالَ: "مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وبُرْهَانًا ونَجَاةً يَوْمَ
(1) أُبَيُّ بنُ خَلَفٍ قتَلهُ الرسول صلى الله عليه وسلم يومَ أُحُدٍ، وهو الوَحِيدُ الذي قتلهُ الرَّسول صلى الله عليه وسلم، فلمَّا قتلَهُ: قال صلى الله عليه وسلم: "اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ على رَجُلٍ قتَلَهُ رسول اللَّه". أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الجِرَاح يوم أُحد - رقم الحديث (4073) - وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب اشْتِدَاد غضب اللَّه على مَنْ قتله صلى الله عليه وسلم رقم الحديث (1793).
(2)
أَرِمَ: أي بَلِيَ. انظر النهاية (1/ 43).
(3)
الآيات من سورة يس (78 - 83) - والخبر في سيرة ابن هشام (1/ 399).
القِيَامَةِ، ومَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا، لَمْ تَكُنْ لَهُ نُورًا ولَا بُرْهَانًا ولَا نَجَاةً، وكَانَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَعَ فِرْعَونَ، وقَارُونَ، وهَامَانَ، وأُبِيٍّ صَاحِبِ العِظَامِ" (1).
وَعِنْدَ الحَاكِمِ في المُسْتَدْرَكِ أَنَّ هَذِهِ الآيَاتِ نَزَلَتْ في: العَاصِ بنِ وَائِلٍ.
فأخْرَجَ في المُسْتَدْرَكِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ العَاصُ بنُ وَائِلٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَظْمٍ حَائِلٍ (2) فَفَتَّهُ، فَقَالَ: يا مُحَمَّدُ أيَبْعَثُ اللَّهُ هَذَا بَعْدَمَا أَرِمَ؟ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ يَبْعَثُ اللَّهُ هَذَا، يُمِيتُكَ، ثُمَّ يُحْيِيكَ، ثُمَّ يُدْخِلُكَ نَارَ جَهَنَّمَ".
قَالَ: فنَزَلَتِ الآيَاتُ: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. . .} (3).
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ سَوَاءً كَانَتْ هَذهِ الآيَاتُ نَزَلَتْ في أُبَيِّ بنِ خَلَفٍ، أَوْ فِي العَاصِ بنِ وَائِلٍ، أو فِيهِمَا، فَهِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ أنْكَرَ البَعْثَ، والأَلِفُ واللَّامُ في قَوْلهِ تَعَالَى:{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ} لِلْجِنْسِ، يَعُمُّ كُلَّ مُنْكِرٍ لِلْبَعْثِ (4).
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (6576) - والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (3180).
(2)
حاَئِلٌ: أي مُتَغَيِّرٌ قدْ غَيَّرَه البِلَى. انظر النهاية (1/ 445).
(3)
أخرجه الحاكم في المستدرك - كتاب التفسير - باب تفسير سورة يس - رقم الحديث (3659).
(4)
انظر تفسير ابن كثير (6/ 594).