الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى (1) لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ (2) وَاحِدَةٍ، ثُمَّ أقْبَلَ عَلَى رَسُولَيْ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمَا: انْطَلِقَا! فَوَاللَّهِ لَا أُسْلِمُهُمْ إلَيْكُمَا أَبَدًا، وَلَا يُكَادُونَ.
أخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ فِي السُّنَنِ الكُبْرَى بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي النَّجَاشِيِّ وأصْحَابِهِ {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (3).
ورَدَّ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ، فَقَالَ: وهَذَا القَوْلُ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَدَنِيَّةٌ، وقِصَّةُ جَعْفَرَ مَعَ النَّجَاشِيِّ قَبْلَ الهِجْرَةِ (4).
*
مُحَاوَلَةٌ أُخْرَى لِلْوَقِيعَةِ بَيْنَ المُهَاجِرِينَ والنَّجَاشِيِّ:
فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ، قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ: وَاللَّهِ لَآتِيَنَّهُ غَدًا
(1) هذه رواية الإِمام أحمد في مسنده - قال السندي فِي شرح المسند (2/ 217): لم يقل عيسى، مع أنه نبيُّهم، لما فيه من خلاف اليهود، بخلاف موسى، فلم يختلف أحدٌ من الطوائف المعلومة في نبوَّته.
وفي رواية ابن إسحاق في السيرة (1/ 374): قال: عيسى.
(2)
المِشْكَاةُ: هي الكُوَّةُ غيرُ النَّافِذَةِ، وقيل هي الحَديدةُ التي يُعلَّق عليها القَنَاديلُ، أراد أن القرآنَ والإنجيلَ كَلامُ اللَّهِ، وأنهما مِنْ شيءٍ واحدٍ، وهوَ الوحْيُ. انظر النهاية (4/ 285).
(3)
سورة المائدة آية (83).
والخبر أخرجه النسائي في السنن الكبرى - كتاب التفسير - باب (9) - رقم الحديث (11083).
(4)
انظر تفسير ابن كثير (3/ 166).
عَنْهُمْ بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ (1)، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بنُ أَبِي رَبِيعَةَ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ لَهُمْ أرْحَامًا، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا، لَكِنَّ عَمْرَو بنَ الْعَاصِ أَصَرَّ عَلَى رَأْيِهِ.
فَلَمَّا كَانَ الغَدُ غَدَا عَلَى النَّجَاشِيِّ، وَقَالَ لَهُ: أيُّهَا المَلِكُ! إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى ابنِ مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمُ النَّجَاشِيُّ يَسْأَلُهُمْ عَنْ عِيسَى عليه السلام، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ النَّجَاشِيِّ إِلَيْهِمْ. قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ لِبَعْضٍ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابنِ مَرْيَمَ، إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ؟ .
قَالُوا: نَقُولُ وَاللَّهِ مَا قَالَ اللَّهُ، وَمَا جَاءَنَا بِهِ نَبِيُّنَا، كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ.
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى النَّجَاشِيِّ، قَالَ لَهُمْ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟
فَقَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: نَقُولُ فِيهِ الذِي جَاءَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم، هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولَهُ، ورُوحُهُ، وكَلِمَتُهُ (2) ألقاهَا إِلَى مَرْيَمَ العَذْرَاءَ البَتُولِ (3).
فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ بِيَدِهِ الأرْضَ، فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا، ثُمَّ قَالَ: مَا عَدَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا العُودَ (4).
(1) خَضْرَاءُهُمْ: أي دَهْمَاؤُهُم وسَوَادُهُم ومُعْظمُهُم. انظر النهاية (2/ 40).
(2)
قال الإِمام السهيلي في الرَّوْض الأُنُف (2/ 113): ومعنى كلمتِهِ: أي قال له، كما قال لِآدمَ حينَ خلقهُ من تُرابٍ: كُنْ فَيَكُونُ.
(3)
امرأةٌ بَتُولٌ: أي مُنْقَطِعَةٌ عن الرِّجالِ لا شهوَةَ لهَا فِيهِمْ. انظر النهاية (1/ 95).
(4)
قال السندي في شرح المسند (2/ 218): أي: هذا القدر، يريد: أن قدره هذا، ولا يتجاوز عنه إلى ما يقوله الظلمة من البنوة، وغيرها.
فتَنَاخَرَتْ (1) بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ، فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي -والسُّيُومُ: الآمِنُونَ بِلِسَانِ الحَبَشَةِ- مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ جَبَلًا مِنْ ذَهَبٍ، وأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ.
ثُمَّ قَالَ لِبَطَارِقَتِهِ: رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا، فَلَا حَاجَةِ لِي بِهَا.
فخَرَجَ عَمْرُو بنُ العَاصِ وَعَبْدُ اللَّهِ بنُ أَبِي رَبِيعَةَ مِنْ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ خَائِبِيْنِ، وأقَامَ المُسْلِمُونَ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ بِخَيْرِ دَارٍ، مَعَ خَيْرِ جَارٍ (2).
قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد الغَزَالِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا النَّجَاشِيَّ كَانَ رَجُلًا رَاشِدًا نَظِيفَ العَقْلِ، حَسَنَ المَعْرِفَةِ للَّهِ، سَلِيمَ الِاعْتِقَادِ فِي عِيسَى عَبْدِ اللَّهِ ورَسُولهِ عليه السلام، وَكَانَتْ مُرُونَةُ فِكْرِهِ سِرَّ المُعَامَلَةِ الجَمِيلَةِ التِي وَفَّرَهَا لِأُولَئِكَ اللَّاجِئِينَ إِلَى مَمْلَكَتِهِ، فَارِّينَ بِدِينِهِمْ مِنَ الفِتَنِ (3).
وَقَالَ الدُّكْتُور مُحَمَّد أَبُو شَهْبَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وهَكَذَا نَرَى مِنْ هَذِهِ
(1) تنَاخَرَتْ: أي تَكَلَّمَتْ، وكأنه كلامٌ معَ غضَبٍ ونُفُورٍ، والنَّخِيرُ: صَوْتُ الأنْفِ. انظر لسان العرب (14/ 81)، النهاية (5/ 27).
(2)
أخرج قصة النجاشي مع جعفر رضي الله عنه وأصحابه: الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (1740) - (22498) - والحاكم فِي المستدرك - كتاب التفسير - باب قصة إسلام النجاشي - رقم الحديث (3261) - والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (5598) - وابن إسحاق في السيرة (1/ 372) - وإسنادها حسن.
(3)
انظر فقه السيرة للشيخ محمَّد الغزالي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ص 114.