الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ فَاجَأَ العَرَبَ بِمَا لَمْ يَكُوُنوا يَأْلفُونَهُ، وقَدِ اسْتَنْكَرُوا دَعْوَتَهُ أشَدَّ الِاسْتِنْكَارِ، وكَانَ كُلُّ هَمِّهِمُ القَضَاءَ عَلَيْهِ وعَلَى أَصْحَابِهِ، فكَانَ ذَلِكَ رَدًّا تَارِيخِيًّا عَلَى بَعْضِ دُعَاةِ القَوْمِيَّةِ الذِينَ زَعَمُوا أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا كَانَ يُمَثِّلُ في رِسَالَتِهِ آمَالَ العَرَبِ ومَطَامِحَهُمْ حِينَذَاكَ، وهُوَ زَعْمٌ مُضْحِكٌ تَرُدُّهُ وَقَائِعُ التَّارِيخِ الثَّابِتَةُ كَمَا رَأَيْنَا، وما حَمَلَ هذَا القَائِلُ وأمْثَالُهُ عَلَى هذَا القَوْلِ إِلَّا الغُلُوُّ فِي دَعْوَى القَوْمِيَّةِ وجَعْلِ الإِسْلَامِ أمْرًا مُنْبَثِقًا مِنْ ذَاتيَّةِ العَرَبِ وتَفْكِيرِهِمْ، وهَذَا إنْكَارٌ وَاضِحٌ لِنُبُوَّةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وخَفْضٌ عَظِيمٌ لِرِسَالَةِ الإِسْلَامِ (1).
*
وَفْدُ قُرَيْشٍ إِلَى أَبِي طَالِبٍ:
فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ وَرَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يُعْتِبُهُمْ (2) مِنْ شَيْءٍ أنْكَرُوهُ عَلَيْهِ مِنْ فِرَاقِهِمْ وَعَيْبِ آلِهَتِهِمْ، ورَأَوْا أَنَّ عَمَّهُ أبا طَالِبٍ قَدْ حَدَبَ عَلَيْهِ وقَامَ دُونَهُ فلَمْ يُسْلِمْهُ لَهُمْ، مَشَى رِجَالٌ مِنْ أشْرَافِ قُرَيْشٍ إِلَى أَبِي طَالِبٍ، وهُمْ: عُتْبَةُ وشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وأَبُو سُفْيَانَ بنُ حَرْبٍ، وأَبُو البَخْتَرِيِّ، والأسْوَدُ بنُ المُطَّلِبِ، وأَبُو جَهْلٍ عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ، والوَليدُ بنُ المغِيرَةِ، ونُبَيْهٌ ومُنَبِّهٌ ابْنَا الحَجَّاجِ، والعَاصُ بنُ وَائِلٍ، فقالُوا: يا أبَا طَالِبٍ! إِنَّ ابنَ أخِيكَ قَدْ شبَّ آلِهَتَنَا وعَابَ دِينَنَا، وسَفَّهَ أحْلَامَنَا (3)، وضَلَّلَ آبَاءَنَا، فإِمَّا أَنْ تَكُفَّهُ عَنَّا، وإمَّا أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنَنَا وبَيْنَهُ، فَإِنَّكَ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِهِ، فنكْفِيكَهُ، فقَالَ لَهُمْ أَبُو
(1) انظر السِّيرة النَّبوِيَّة دروس وعبر، للدكتور مصطفى السباعي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ص 49.
(2)
لا يُعْتِبُهُمْ: اْي لا يُرْضِيهِمْ. انظر لسان العرب (9/ 30).
(3)
الأحلام: العقول. انظر النهاية (1/ 416).