الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
إِخْبَارُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عَمَّهُ بِنَقْضِ الصَّحِيفَةِ:
وكَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخْبَرَ عَمَّهُ أبَا طَالِبٍ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَطْلَعَهُ عَلَى أمْرِ الصَّحِيفَةِ، وأنَّهُ سَلَّطَ عَلَيْهَا الأَرَضَةَ (1) فَلَحَسَتْ كُلَّ مَا كَانَ فِيهَا مَنْ جَوْرٍ، أَوْ ظُلْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ بُهْتَانٍ (2)، وَلَمْ تَدَعْ فِيهَا اسْمًا للَّهِ إِلَّا أَثْبَتَتْهُ فِيهَا.
وفِي رِوَايَةٍ: لَمْ تَتْرُكِ الأَرَضَةُ اسْما للَّهِ عز وجل إِلَّا لَحَسَتْهُ، وبَقِيَ مَا فِيهَا مِنْ شِرْكٍ، أَوْ ظُلْمِ بَغْيٍ، وَالرِّوَايَةُ الأُولَى أَثْبَتُ (3)، فَلَمَّا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ لِعَمِّهِ، قَالَ لَهُ: أرَبُّكَ أخْبَرَكَ بِهَذَا؟
قَالَ: "نَعَمْ"، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: لَا وَالثَّوَاقِبِ (4) مَا كَذَبْتَنِي.
*
صِدْقُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا قَالَ:
فَانْطَلَقَ يَمْشِي فِي جَمَاعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ بَنِي عَبدِ المُطَّلِبِ، حَتَّى أَتَوا المَسْجِدَ، فَلَمَّا رَأَتْهُمْ قُرشٌ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا مِنْ شِدَّةِ البَلَاءِ لِيُسْلِمُوهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فتَكَلَّمَ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: قَدْ حَدَثَتْ أُمُورٌ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ، فَأْتُوا بِصَحِيفَتِكُمْ التِي فِيهَا مَوَاثِيقُكُمْ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ صُلْحٌ -وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو طَالِبٍ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَنْظُرُوا فِي الصحِيفَةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا بِهَا- ثُمَّ قَالَ أَبُو طَالِبٍ: إِنَّمَا أَتَيْتُكُمْ لِأُعْطِيَكُمْ أَمْرًا
(1) الأرَضَةُ: هِيَ دُوَيْبَةٌ تَأْكُلُ الخَشَبَ ونحوه. انظر لسان العرب (1/ 119).
(2)
البُهْتَانُ: هوَ الكَذِبُ والافْتِرَاءُ. انظر النهاية (1/ 162).
(3)
انظر فتح الباري (7/ 590).
(4)
الثَّوَاقِبُ: هي الكَوَاكبُ المُضِيئَةُ. انظر لسان العرب (2/ 111).
فِيهِ نَصَفٌ (1) بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، إِنَّ ابْنَ أَخِي قَدْ أخْبَرَنِي وَلَمْ يَكْذِبْنِي قَطُّ، أَنَّ اللَّهَ سَلَّطَ عَلَى صَحِيفَتِكُمْ التِي كتَبْتُمُ الأَرَضَةَ، فَأَكَلَتْ جَمِيعَ مَا فِيهَا إِلَّا:"بِاسِمِكَ اللَّهُمَّ"(2).
وفِي رِوَايَةٍ قَالَ: لَمْ تَتْرُكْ فِيهَا اسْمًا للَّهِ إِلَّا لَحَسَتْهُ، وتَرَكَتْ فِيهَا غَدْرَكُمْ وتَظَاهُرَكُمْ عَلَيْنَا بِالظُّلْمِ، فَإِنْ كَانَ الحَدِيثُ كَمَا يَقُولُ فَأَفِيقُوا، فَوَاللَّهِ لَا نُسْلِمُهُ حَتَّى نَمُوتَ عَنْ آخِرِنَا، وإِنْ كَانَ الذِي يَقُولُ بَاطِلًا دَفَعْنَا إِلَيْكُمْ صَاحِبَنَا، فَقتَلْتُمْ أَوِ اسْتَحْيَيْتُمْ، فَقَالُوا: قَدْ أَنْصَفْتَنَا رَضِينَا بِالذِي تَقُولُ، فَفَتَحُوا الصَّحِيفَةَ، فَوَجَدُوا الأَمْرَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ صِدْقَ مَا جَاءَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ، وَنُكِسُوا عَلَى رُؤِوسِهِمْ، ثُمَّ قَالُوا: هَذَا سِحْرُ ابنِ أَخِيكَ، وزَادَهُمْ ذَلِكَ بَغْيًا وعُدْوَانًا.
فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! عَلَامَ نُحْبَسُ ونُحْصَرُ، وَقَدْ بَانَ الأَمْرُ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ أنَكُمْ أَوْلَى بِالظُّلْمِ، وَالقَطِيعَةِ، والإِسَاءَةِ؟
ثُمَّ دَخَلَ هُوَ وأصْحَابُهُ بَيْنَ أسْتَارِ الكَعْبَةِ وَالكَعْبَةِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ! انْصُرْنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَقَطَعَ أرْحَامَنَا، واسْتَحَلَّ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنَّا، ثُمَّ انْصَرَفُوا إِلَى الشِّعْبِ.
(1) النَّصَفُ: أيْ أمْرٌ وَسَطٌ. انظر لسان العرب (14/ 166).
(2)
قال الإمام الطبري في تاريخه (1/ 553): وهي فَاتِحَةُ ما كَانَتْ تَكْتُبُ قُرَيْشٌ، تَفْتَتِحُ بها كِتَابَهَا إذا كتَبَتْ.