الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انْشِقَاقُ القَمَرِ
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: انْشِقَاقُ القَمَرِ مِنْ أُمَّهَاتِ مُعْجِزَاتِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ رَوَاهَا عِدَّةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ مَعَ ظَاهِرِ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ وسِيَاقِهَا (1).
وَقَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ: أَجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ فِي زَمَانِهِ صلى الله عليه وسلم، وَجَاءَتْ بِذَلِكَ الأَحَادِيثُ المُتَوَاتِرَةُ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ تُفِيدُ القَطْعَ عِنْدَ مَنْ أحَاطَ بِهَا، ونَظَرَ فِيهَا (2).
رَوَى الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ القَمَرَ شِقَّتَيْنِ، حَتَّى رَأَوْا حِرَاءَ (3) بَيْنَهُمَا (4).
(1) انظر صحيح مسلم بشرح النووي (17/ 119).
(2)
انظر البداية والنهاية (3/ 129).
(3)
حِراء: جبلٌ معروف بمكة. انظر النهاية (1/ 362).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المناقب - باب انشقاق القمر - رقم الحديث (3868) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم - باب انشقاف القمر - رقم الحديث (2802).
وَرَوَى الشَّيْخَانِ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَبْد اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: انْشَقَّ القَمَرُ ونَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى (1) فَقَالَ: "اشْهَدُوا"(2)، وَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ نَحْوَ الجَبَلِ (3).
ورَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ والإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَاللَّفْظُ لِأَحْمَدَ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم آيَةً، فَانْشَقَّ القَمَرُ بِمَكَّةَ مَرَّتَيْنِ (4)، فَقَالَ:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً (5) يُعْرِضُوا (6) وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} (7).
(1) قال الحافظ في الفتح (7/ 579): وهذا يُعارِضُ قول أنس رضي الله عنه أن ذلك كان بمكة، لأنه لم يُصَرِّح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لَيْلَتَئِذٍ بمكة، وعلى تقدير تصريحِهِ، فمِنَى من جُملَةِ مَكة فلا تَعَارض.
(2)
قال الحافظ في الفتح (7/ 579): أي اضْبِطُوا هذا القَدْر بالمُشَاهدة.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المناقب - باب انشقاق القمر - رقم الحديث (3869) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم - باب انشقاق القمر - رقم الحديث (2800).
(4)
قال الحافظ في الفتح (7/ 578): وقد خَفِيَ على بعضِ الناس، فادَّعى أن انشقاقَ القمر وقعَ مرتين، وهذا مما يَعلم أهل الحديث والسِّيَر أنه غَلَط، فإنه لم يَقَعْ إِلَّا مرَّةً واحدة.
وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 132): وقوله مرتين: فيهِ نظر، والظاهر أنه أرادَ فِرْقَتَيْنِ، واللَّه أعلم.
(5)
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (7/ 475): أي دَلِيلًا وحُجَّةً وبُرْهانًا.
(6)
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (7/ 475): أي لا يَنْقَادُونَ له، بل يُعرضُونَ عنه ويتركُونهُ ورَاءَ ظُهُورهم.
(7)
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (7/ 475): أي يقولونَ هذا الذي شَاهدنَاهُ من الحُجَجِ =
وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ مُشْكِلِ الآثَارِ، والطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: انْشَقَّ القَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: هَذَا سِحْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ (1)، وقَالُوا: انْتَظِرُوا مَا يَأْتِيكُمْ بِهِ السُّفَّارُ (2)، فَإِنَّ مُحَمَّدًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ، فَجَاءَ السُّفَّارُ، فَقَالُوا: ذَاكَ (3).
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ شُوهِدَ ذَلِكَ -أَي انْشِقَاقُ القَمَرِ- فِي كَثِيرٍ مِنْ بِقَاعِ الأَرْضِ، ويُقَالُ أَنَّهُ أُرِّخَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ بِلَادِ الهِنْدِ (4).
وَقَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ وَقَعَ انْشِقَاقُ القَمَرِ لَجَاءَ مُتَوَاتِرًا واشْتركَ أَهْلُ الأَرْضِ فِي مَعْرِفَتِهِ وِلَمَا اخْتُصَّ بِهَا أَهْلُ مَكَّةَ.
وَجَوَابُهُ: أَنَّ ذَلِكَ وقَعَ لَيْلًا، وَأَكْثَرُ النَّاسِ نِيَامٌ، وَالأَبْوَابُ مُغْلَقَةٌ، وَقَلَّ مَنْ يَرْصُدُ السَّمَاءَ إِلَّا النَّادِرُ، وَقَدْ يَقَعُ بِالمُشَاهَدَةِ فِي العَادَةِ أَنْ يَنْكَسِفَ القَمَرُ،
= سِحْرٌ سَحَرَنا به.
والحديث أخرجه مسلم في صحيحه - صفات المنافقين وأحكامهم - باب انشقاق القمر - رقم الحديث (2802) وأخرجه أحمد في مسنده - رقم الحديث (12688).
(1)
قال الحافظ في الفتح (1/ 58): وابن أبي كَبْشَةَ أرادُوا به رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وأبو كَبْشَةَ هو الحارِثُ بن عَبْدِ العُزَّى والد الرسول صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، زوجُ حَلِيمَةَ السعدية.
(2)
السُّفَّار: أي المُسَافرون. انظر النهاية (2/ 335).
(3)
أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (697) - والطيالسي في مسنده - رقم الحديث (293).
(4)
انظر البداية والنهاية (3/ 131).
وتَبْدُو الكَوَاكِبُ العِظَامُ وغَيْرُ ذَلِكَ فِي اللَّيْلِ، وَلَا يُشَاهِدُهَا إِلَّا الآحَادُ، فكَذَلِكَ الِانْشِقَاقُ كَانَ آيَةً وَقَعَتْ فِي اللَّيْلِ لِقَوْمٍ سَأَلُوا، وَاقْتَرَحُوا فَلَمْ يَتَأَهَّبْ غَيْرُهُمْ لَهَا، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ القَمَرُ لَيْلَتَئِذٍ كَانَ فِي بَعْضِ المَنَازِلِ التِي يَظْهَرُ لِبَعْضِ أَهْلِ الآفَاقِ دُونَ بَعْضٍ كَمَا يَظْهَرُ الكُسُوفُ لِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ (1).
وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا، لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا طَلَبُوا ذَلِكَ اسْتِكْبَارًا وَعِنَادًا.
* * *
(1) انظر فتح الباري (7/ 580).