الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَاءٌ قَدْ غَطُّوا عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فكَشَفْتُ غِطَاءَهُ وَشَرِبْتُ (1) مَا فِيهِ، ثُمَّ غَطَّيْتُ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ، وَعَلَى رَأْسِ العِيرِ جَمَلٌ أَوْرَقُ (2) عَلَيْهِ غَرَارَتَانِ (3)، إِحْدَاهُمَا سَوْدَاءُ، والأُخْرَى بَرْقَاءُ (4) ".
*
هَلْ صَدَّقَتْ قُرَيْشٌ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم فِي إِسرَائِهِ ومِعْرَاجِهِ
؟
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَحَدَّثَهُمْ بِمَسِيرِهِ، وَبِعَلَامَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَبِعِيرِهِمْ. . . (5).
قَالَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا كَانَ لَيْلةَ أُسرِيَ بِي، وَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ، . . . عَرَفْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِيَّ، فَقَعَدْتُ مُعْتَزِلًا حَزِينًا، فَمَرَّ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلٍ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيَّ".
(1) قال الإمام السهيلي في الرَّوْض الأُنُف (2/ 197): كيف استَبَاح الرسول صلى الله عليه وسلم شُرْبَ الماء وهو مِلْكٌ لغيره؟
والجوابُ أن العَرَبَ في الجاهلية كان في عُرفِ العادَةِ عندهُم إباحَةُ اللَّبَنِ لابنِ السَّبيل فَضْلًا عن الماء، وكانوا يَعْهَدُونَ بذلك إلى رُعَائِهِم، ويشتَرِطُونه عليهم عند عَقْدِ إجارتهم ألا يَمْنَعُوا اللبن من أحَدٍ مَرَّ بهم.
(2)
الأورَقُ من الإبلِ: هو الذي في لَونُهُ بياضٌ إلى سَوَاد. انظر لسان العرب (15/ 275).
(3)
الغَرَارَةُ: وِعَاءٌ من الخَيْشِ ونحوه يُوضعُ فيه القَمْح ونحوه. انظر الوسيط (2/ 262).
(4)
يقالُ لِكُلِّ شَيءٍ اجتمَعَ فيه سَوَادٌ وبياضٌ أبرَقُ. انظر لسان العرب (1/ 383).
وانظر الخبر في سيرة ابن هشام (2/ 16).
(5)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (3546) - وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره (5/ 28) وصحح إسناده.
فَقَالَ كَالمُسْتَهْزِئِ: يَا مُحَمَّدُ هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ؟
قُلْتُ: "نَعَمْ".
قَالَ: مَا هُوَ؟
قُلْتُ: "إِنَّهُ أُسْرِيَ بِيَ اللَّيْلَةَ".
قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟
قُلْتُ: "إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ".
قَالَ: ثُمَّ أصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانِينَا؟
قُلْتُ: "نَعَمْ".
فَلَمْ يُرِهِ أَنْ يُكَذِّبَهُ؛ مَخَافَةَ إِنْ يَجْحَدَهُ الحَدِيثَ إِذَا دَعَا قَوْمَهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ أتُحَدِّثُهُمْ بِمَا حَدَّثْتَنِي؟ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ".
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ: هَيَا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ! فَانْفَضَّتْ إِلَيْهِ المَجَالِسُ، وجَاؤُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا، قَالَ: حَدِّثْ قَوْمَكَ بِمَا حَدَّثْتَنِي يَا مُحَمَّدُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي أُسْرِيَ بِيَ اللَّيْلةَ".
قَالوا: إِلَى أَيْنَ؟
قَالَ: "إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ"
قَالُوا: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانِينَا؟
قَالَ: "نَعَمْ".
فَضَجَّ المُشْرِكُونَ وَأَعْظَمُوا ذَلِكَ، فَصَارَ بَعْضُهُمْ يُصَفِّقُ، وَبَعْضُهُمْ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ تَعَجُّبًا (1).
وَكَانَتْ فِتْنَةً عَظِيمَةً، ارْتَدَّ بَعْضُ مَنْ أسْلَمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَنِ ارْتَدَّ عَنْ إِسْلَامِهِ قَوْلَهُ تَعَالَى:{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} (2).
(1) أخرج ذلك الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح على شرط الشيخين - رقم الحديث (2819). وأخرجه النسائي في السنن الكبرى - كتاب التفسير - باب سورة الإسراء - رقم الحديث (11221) - وابن إسحاق في السيرة (2/ 12).
(2)
سورة الإسراء آية (60).
وأخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب المناقب - باب المعراج - باب حديث (3888) وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (1916) - والحاكم في المستدرك - كتاب معرفة الصحابة - باب الأحاديث المشعرة بتسمية أبي بكر صديقًا رضي الله عنه رقم الحديث (4463).
قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره (8/ 103): وأولَى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ قولُ من قَالَ: عني به رُؤْيا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ما رأى من الآيات والعِبَر في طريقَهِ إلى بيت المقدس ليلةَ أُسْرِي به، قال: وإنما قُلنا ذلك أولى بالصواب، لإجمَاعِ الحُجَّة من أهل التأويلِ على أن هذه الآية إنما نزلت في ذلك، وإيَّاه عنى اللَّه عز وجل بها، فإذا كان =