الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
قِصَّةُ الإِراشِيِّ:
قَالَ ابنُ إسْحاقَ: وَقَدْ كَانَ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلِ بنُ هِشامٍ مَعَ عَداوَيهِ لرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وبُغْضِهِ إيّاهُ، وَشِدَّتِهِ عَلَيْهِ، يُذِلُّهُ اللَّهُ له إِذَا رَآهُ (1).
قَالَ ابنُ إسْحَاقَ قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ إراشٍ (2) بِإِبِلٍ له إِلَى مَكَّةَ، فابْتَاعَهَا (3) مِنْهُ أَبُو جَهْلٍ، فَمَطَلَهُ (4) بِأَثْمانِها، فَأقْبَلَ الإرَاشِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَى نَادٍ (5) مِنْ قُرَيْشٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في ناحِيَةِ المَجْلِسِ جالِسٌ، فَقالَ: يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! مَنْ رَجُلٌ يُؤْدِينِي (6) عَلَى أَبِي الحَكَمِ بنِ هِشامٍ، فَإِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ، ابْنُ سَبِيلٍ، وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقِّي، فَقالَ لَهُ أَهْلُ المَجْلِسِ: أتَرَى ذَلِكَ الرَّجُلَ الجالِسَ -لرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهُمْ يَهْزَؤُونَ بِهِ لِمَا يَعْلَمُونَ بَيْنَهُ وبَيْنَ أَبِي جَهْلٍ مِنَ العَداوَةِ- اذْهَبْ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يُؤْدِيكَ عَلَيْهِ، فأَقْبَلَ الإرَاشِيُّ حتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّ أبا الحَكَمِ بنَ هِشامٍ قَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقٍّ لِي، وأنَا غَرِيبٌ، ابْنُ سَبِيلٍ، وقَدْ سَأَلْتُ هَؤُلاءَ القَوْمَ عَنْ رَجُلٍ يُؤْدِيني عَلَيْهِ، يَأْخُذُ لِي حَقِّي مِنْهُ، فأشَارُوا لِي إلَيْكَ، فَخُذْ لِي حَقِّي مِنْهُ، يَرحَمُكَ اللَّهُ.
(1) انظر سيرة ابن هشام (1/ 426).
(2)
إرَاشٌ: بكسر الهمْزَة: اسمُ قَبِيلَةٍ وهُمْ بَطْن من خَثْعَمٍ. انظر الرَّوْض الأُنُف (2/ 177).
(3)
ابْتاعَ: اشْتَرَى. انظر لسان العرب (1/ 557).
(4)
المَطْلُ: هو التَّسْوِيفُ والمُدَافَعَةُ بالعِدَةِ والدَّينِ. انظر لسان العرب (13/ 134).
(5)
النَّادِي: مجْتَمَعُ القَوْمِ وأهْلُ المَجْلِسِ. انظر النهاية (5/ 31).
(6)
يُؤْدِيني على فلانٍ: أي يُعِينُنِي على أخْذِ حَقِّي مِنْهُ. انظر لسان العرب (1/ 100).
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: انْطَلِقْ إِلَيْهِ، وَقامَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَأَوْهُ قامَ مَعَهُ قالُوا لِرَجُلٍ مِمَّنْ مَعَهُمْ: اتْبَعْهُ انْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُ؟
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَاءَهُ فَضَرَبَ عَلَيْهِ بابَهُ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ، فَاخْرُجْ إِلَيَّ، فخَرَجَ إِلَيْهِ، وما في وَجْهِهِ قَطْرَةُ دَمٍ، وقَدِ انْتَقَعَ لَوْنُهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: أَعْطِ هَذَا الرَّجُلَ حَقَّهُ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: نَعَمْ، لا تَبْرَحْ حَتَّى أُعْطِيَهُ الذِي لَهُ، فَدَخَلَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ بِحَقِّهِ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ لِلْإِراشِيِّ "الْحَقْ لِشَأْنِكَ"، فَأَقْبَلَ الإِرَاشِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ المَجْلِسِ، فَقَالَ: جَزاهُ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ واللَّهِ أَخَذَ لِي حَقِّي.
فَلَمَّا جَاءَ الرَّجُلُ الذِي أرْسَلُوهُ لِيَرَى ما يَصْنَعُ أَبُو جَهْلٍ، قالُوا لَهُ: وَيْحَكَ مَاذَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: عَجَبًا مِنَ العَجَبِ، واللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيْهِ بابَهُ، فَخَرَجَ، فَقَالَ لَهُ: أَعْطِ هَذَا الرَّجُلَ حَقَّهُ، فَأَعْطَاهُ.
ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ أَبُو جَهْلٍ، فَلَامُوهُ، وقَالُوا لَهُ: وَيْلَكَ! مَا لَكَ؟ واللَّهِ مَا رَأيْنا مِثْلَ مَا صَنَعْتَ قَطُّ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَيْحَكُمْ! ! واللَّهِ ما هُوَ إِلَّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيَّ بابِي، وسَمِعْتُ صَوْتَهُ، فَمُلِئْتُ مِنْهُ رُعْبًا، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَيْهِ، وإِنَّ فَوْقَ رَأْسِهِ فَحْلًا مِنَ الإِبِلِ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هامَتِهِ (1)، وَلَا قَصَرَتِهِ (2)، وَلَا أَنْيابِهِ لِفَحْلٍ قَطُّ، فَواللَّهِ لَوْ أَبَيْتُ لَأَكَلَنِي (3).
(1) الهَامَةُ: الرَّأسُ. انظر لسان العرب (15/ 162).
(2)
القَصَرَةُ: أصْلُ العُنُقِ. انظر لسان العرب (11/ 189).
(3)
انظر سيرة ابن هشام (1/ 427).