الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّهِ صَالِحًا، فَلَئِنْ كُنْتَ صَادِقًا، فَإِنَّ آلِهَتَهُمْ لَكُمَا تَقُولُونَ. قَالَ: فأنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} قَالَ: قُلْتُ: مَا يَصِدُّونَ؟ قَالَ: "يَضُجُّونَ"، {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} قَالَ:"هُوَ خُرُوجُ عِيسَى ابنُ مَريمَ عليه السلام يَوْمِ القِيَامَةِ"(1).
وروَى الإمامُ أَحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الجَدَلَ"(2)، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ:{مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} (3).
*
فِرْعَونُ هَذِهِ الأُمَّةِ لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
أَمَّا أَبُو جَهْل -لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أشَدِّ النَّاسِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وعَلَى أَصْحَابِهِ رضي الله عنهم، فَكَانَ لَعَنَهُ اللَّهُ يَهْزَأُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ومَا جَاءَ بِهِ مِنَ الحَقِّ، ويُؤْذِيهِ بِالقَوْلِ.
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (2918) - وأخرجه ابن حبان في صحيحه - كتاب التاريخ - باب ذكر البيان بأنَّ عيسى ابن مريم عليه السلام مِنْ أعْلام الساعة - رقم الحديث (6817).
(2)
قال المباركفوري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في تحفة الأحوذي (9/ 124): والمعنى ما كَانَ ضَلَالتُهُمْ ووقُوعُهُمْ في الكفرِ إلا بِسَبَبِ الجِدَالِ، وهو الخُصُومةُ بالباطلِ مع نَبِيِّهِمْ، وطلبُ المُعْجِزَةِ منهُ عِنَادًا أو جُحُودًا.
(3)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (22164) - والترمذي في جامعه - كتاب تفسير القرآن - باب ومن سورة الزخرف - رقم الحديث (3535).
رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ والنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ -لَعَنَهُ اللَّهُ- يَوْمًا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! يُخَوِّفُنَا مُحَمَّدٌ بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ، يَزْعُمُ أَنَّهَا شَجَرَةٌ في النَّارِ يُقَالُ لَهَا شَجَرَةُ الزَّقُومِ، والنَّارُ تَأْكُلُ الشَّجَرَ، إِنَّمَا الزَّقُومُ التَّمْرُ والزُّبْدُ، هَاتُوا تَمْرًا وزُبْدًا وتَزَقَّمُوا (1)، فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ (2) يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} (3).
رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ لَأَمَرَّتْ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ عَيْشَهُمْ، فكَيْفَ مَنْ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا الزَّقُّومُ"(4).
ولَقِيَ أَبُو جَهْل مَرَّةً رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: واللَّهِ يا مُحَمَّدُ لَتَتْرُكَنَّ سَبَّ آلِهَتِنَا أَوْ لَنَسُبَّنَّ إلَهَكَ الذِي تَعْبُدُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ
(1) الزَّقُّومُ: من الزَّقَمِ: أي اللَّقْمِ الشَّدِيدِ. انظر النهاية (2/ 277).
(2)
المُهْلُ: هوَ القَيْحُ والصَّدِيدُ الذي يَذُوبُ فَيَسِيلُ منَ الجَسَدِ، ومنهُ قِيلَ للنُّحَاسِ الذَّائِبِ: مُهْلٌ. انظر النهاية (4/ 319).
(3)
سورة الدخان آية (43 - 46) -والخبر أخرجه الإمام أحمد في مسنده- رقم الحديث (3546) - والنسائي في السنن الكبرى - رقم الحديث (11420).
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (2735) - وأخرجه الطيالسي في مسنده - رقم الحديث (2765) - وأخرجه الترمذي في جامعه - كتاب صفة جهنم - باب ما جاء في صفة شراب أهل النار - رقم الحديث (2767).
يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (1) فكَفَّ عَنْدَئِذٍ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ سبِّ (2) آلِهَتِهمْ، وجَعَلَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى (3).
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَقُولُ اللَّه تَعَالَى نَاهِيًا لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم والمُؤْمِنِينَ عَنْ سَبِّ المُشْرِكِينَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، إِلَّا أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ أعْظَمُ مِنْهَا، وهِيَ مُقَابَلَةُ المُشْرِكِينَ بِسَبِّ إِلَهِ المُؤْمِنِينَ، وهُوَ اللَّه لَا إلَهَ إِلَّا هُوَ.
ومِنْ هَذَا القَبِيلِ -وهُوَ تَرْكُ المَصْلَحَةِ لِمَفْسَدَةٍ أرْجَحَ مِنْهَا- مَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ مِنْ أكْبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ والِدَيْهِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟
قَالَ: "يَسُبُّ الرَّجُلُ أبا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أبَاهُ، ويَسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبُّ أُمَّهُ"(4).
(1) سورة الأنعام آية (108).
(2)
لم يكنْ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم سَبَّابًا، ولا شَتَّامًا، ولا فَحَّاشًا، وإنما كان يَنْفِي عن آلهة المُشْرِكين ما كانوا يتَوَهَّمُونَهُ لها من صِفَاتٍ لا تليقُ إلا باللَّه سبحانه وتعالى، ويَصِفُهَا بما وصَفَهَا اللَّه به في قوله:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} ، وقوله تَعَالَى:{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} وقوله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ} وقوله تَعَالَى: {وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} وغير ذلكَ ممَّا أنزلهُ اللَّه عليه في تَعْرِيَةِ آلهتهم المَزْعُومةِ ممَّا كانوا يعتقدونَهُ فيها.
(3)
انظر سيرة ابن هشام (1/ 395) - سبل الهدى والرشاد (2/ 470).
(4)
أخرج هذا الحديث: الإمام البخاري في صحيحه -كتاب الأدب - باب لا يسب الرجل والديه - رقم الحديث (5973) - وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه - كتاب الإيمان - باب بيان الكبائر وأكبرها - رقم الحديث (90) - وانظر كلام الحافظ ابن كثير في تفسيره (3/ 314 - 315).