الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُقَاطَعَةُ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وحِصَارَ الشِّعْبِ
لَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ أمْرَ الإِسْلَامِ يَنْتَشِرُ ويَعْلُو، وَأَنَّ أسَالِيبَهَا كُلَّهَا بَاءَتْ بِالفَشَلِ، وَلَمْ تَمْنَعْ مِنِ انْتِشَارِ الإِسْلَامِ، وَأَنَّ مُسَاوَمَتَهَا لِأَبِي طَالِبٍ، وَللنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَعْدِه قَدْ قُوبِلَتْ بِالرَّفْضِ، أجْمَعُوا أمْرَهُمْ عَلَى المُقَاطَعَةِ.
قَالَ ابنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ أصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَزَلُوا بَلَدًا، وأَصَأبُوا بِهِ أَمْنًا وَقَرَارًا، وأَنَّ النَّجَاشِيَّ قَدْ مَنَعَ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ، وَأَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَدْ أَسْلَمَ، فكَانَ هُوَ وحَمْزَةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابِهِ، وجَعَلَ الإِسْلَامُ يَفْشُو في القَبَائِلِ، اجْتَمَعُوا وَائْتَمُّوا بَيْنَهُمْ أَنْ يَكْتبوا كِتَابًا يَتَعَاقَدُونَ فِيهِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وبَنِي المُطَّلِبِ: عَلَى أَنْ لَا يُنْكِحُوا إِلَيْهِمْ، ولَا يُنْكِحُوهُمْ، وَلَا يَبِيعُوهُمْ شَيئًا، وَلَا يَبْتَاعُوا (1) مِنْهُمْ، وَأَنْ يُضَيِّقُوا عَلَيْهِمْ، وَلَا يُجَالِسُوهُمْ، ولَا يُخَالِطُوهُمْ حَتَّى يُسَلِّمُوا إِلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْقَتْلِ.
فَلَمَّا اجْتَمَعُوا لِذَلِكَ كَتَبُوهُ فِي صَحِيفَةٍ، ثُمَّ تَعَاهَدُوا وتَوَاثَقُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ عَلَّقُوا الصَّحِيفَةَ فِي جَوْفِ الكَعْبَةِ تَوْكِيدًا عَلَى أنْفُسِهِمْ.
(1) ابْتَاعَ الشيءَ: أي اشتَرَاه. انظر لسان العرب (1/ 557).
وكَانَ كَاتِبُ الصَّحِيفَةِ مَنْصُورُ بنُ عِكْرِمَةَ بنِ عَامِرِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ عَبْدِ الدَّارِ (1)
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ: والمَشْهُورُ أَنَّ مَنْصُورَ بنَ عِكْرِمَةَ هُوَ الذِي كَتَبَ الصَّحِيفَةَ كَمَا ذَكَرَهُ ابنُ إسْحَاقَ، فَدَعَا عَلَيْهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم فَشُلَّتْ يَدُهُ فَمَا كَانَ يَنْتَفِعُ بِهَا (2).
فَلَمَّا رَأَى أَبُو طَالِبٍ تَأَلُّبَ (3) قُرَيْشٍ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ صلى الله عليه وسلم، قَامَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وبَنِي المُطَّلِبِ، ودَعَاهُمْ إلى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ مَنْعِ ابْنِ أخِيهِ، وَحِيَاطَتِهِ والقِيَامِ دُونَهُ، فَأَجَابُوا إلى ذَلِكَ، وَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى أَنْ يُدْخِلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شِعْبَهُمْ (4): شِعْبَ بَنِي هَاشِمٍ، ويَمْنَعُوهُ مِمَّنْ أَرَادَ قَتْلَهُ، فَأَجَابُوا لِذَلِكَ فَانْحَازَتْ بَنُو هَاشِمٍ، وبَنُو المُطَّلِبِ إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَدَخَلُوا مَعَهُ فِي شِعْبِهِ، حَتَّى كُفَّارُهُمْ دَخَلُوا الشِّعْبَ حَمِيَّةً لِلرَّحِمِ، وَالقَرَابَةِ، وَلَمْ يَشُذَّ عَنْ هَذَا الإِجْمَاعِ إِلَّا أَبُو لَهَبِ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَدِ انْحَازَ إِلَى قُرَيْشٍ، وَفَارَقَ بَنِي هَاشِمٍ وبَنِي المُطَّلِبِ.
وكَانَ أَبُو طَالِبٍ يَخَافُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فكَانَ إِذَا أَخَذَ النَّاسُ
(1) انظر سيرة ابن هشام (1/ 388).
(2)
انظر البداية والنهاية (3/ 94).
(3)
تألَّبوا عليه: تَجَمَّعوا. انظر لسان العرب (1/ 177).
(4)
الشِّعْبُ: هو الطرِيقُ فِي الجَبَل، وما انفَرَجَ بينَ جَبَلين. انظر لسان العرب (7/ 128).