الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَسَبْعُونَ، فِيهِمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا مِنْ ذَوِي أَسْنَانِهِم وَأَشْرَافِهِم، وَثَلَاثُونَ شَابًّا، وَمَعَنَا امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِنَا: نُسَيبةُ بِنْتُ كَعْبٍ أُمُّ عُمَارَةَ (1)، إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَازِنِ بنِ النَّجَارِ، وَأَسْمَاءُ (2) بِنْتُ عَمرٍو أُمُّ مَنِيعٍ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي سَلِمَةَ.
*
اسْتِيثَاقُ العَبَّاسِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ وَعَزْمُ الأَنْصَارِ عَلَى البَيْعَةِ:
وَاجْتَمَعَت الأَنْصَارُ بِالشِّعبِ يَنتظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَاءَهُمْ وَمَعَهُ العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، إِلَّا أَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَحْضُرَ أَمْرَ ابنَ أَخِيهِ، وَيَتَوَثَّقَ لَهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى ذَلِكَ المَوْضعِ وَمَعَهُ عَمُّهُ العَبَّاسُ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ طَلَعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَافِعُ بنُ مَالِكٍ رضي الله عنه، فَلَمَّا نَظَرَ العَبَّاسُ فِي وُجُوهِهِم قَالَ: هؤُلَاءَ قَوْمٌ لَا أَعْرِفُهُمْ، هَؤُلَاءِ أَحدَاثٌ (3).
وَبَعْدَ أَنْ تَكَامَلَ المَجْلِسُ بَدَأَتْ المُحَادَثَاتُ لِإِبْرَامِ التَّحَالُفِ الدِّيِنِّي وَالعَسْكَرِيِّ، وَكَانَ أَوَّلَ المُتَكَلِّمِينَ هُوَ العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، تَكَلَّمَ لِيَشْرَحَ لَهُمْ -بِكُلِّ صَرَاحَةٍ- خُطُورَةَ المَسْؤُوليَّةِ التِي سَتُلْقَى عَلَى
(1) هي نُسَيْبَةُ بنتُ كَعْبِ بن عَمْرٍو الفاضلة المُجَاهدة الأنصارية الخزرجية النَّجَّارية المَازِنِيَّة المدنيَّة أمُّ عُمَارة، مشهُورَةٌ بكُنْيَتِهَا واسمها معًا.
شهِدَت العقبةَ، وشهدت أُحُدًا، والحديبيةَ، ويومَ حُنَيْن، ويوم اليمامةِ، وجاهدَت، وقُطِعَتْ يَدُها في الجِهاد. انظر سير أعلام النبلاء (2/ 278).
(2)
هي أسماءُ بنتُ عمرٍو الأنصارية السُّلَمية، أم مُعَاذِ بن جَبَل رضي الله عنه، وكنيتُها أم مَنِيع، شهدَت العقبة الثانية. انظر الإصابة (8/ 14).
(3)
أحدَاثٌ: جمعُ حَدَثٍ أي شَبَاب. انظر لسان العرب (3/ 76).
كَوَاهِلِهِمْ (1) نَتِيجَةَ هَذَا التَّحَالُفِ. فَقَالَ العَبَّاسُ؛ يَا مَعشَرَ الخَزْرَجِ -وَكَانَتِ العَرَبُ يُسَمُّونَ هَذَا الحَيَّ مِنْ الأنْصَارِ خَزْرَجَها وَأَوْسَهَا- إِنَّ مُحَمَّدًا مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَقَدْ مَنَعْنَاهُ مِنْ قَوْمِنَا مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِنَا فِيهِ، فهُوَ في عِزٍّ مِنْ قَوْمِهِ، وَمَنَعَةٍ (2) فِي بَلَدِهِ، وإنَّهُ قَدْ أَبَى إِلَّا الِانْحِيَازَ إِلَيْكُمْ، وَاللُّحُوقَ بِكُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ وَافُونَ له بِمَا دَعَوتُمُوهُ إِلَيْهِ، وَمَانِعُوهُ مِمَّنْ خَالفَهُ، فَأَنْتُمْ وَمَا تَحَمَّلْتُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ مُسْلِمُوهُ وَخَاذِلُوهُ بَعْدَ الخُرُوجِ بِهِ إِلَيْكُمْ، فَمِنَ الآنَ فَدَعُوهُ، فَإِنَّهُ فِي عِزٍّ وَمَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَبَلَدِهِ.
قَالَ كَعْبُ بنُ مَالِكٍ رضي الله عنه فَقُلْنَا لَهُ: قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْتَ، فتَكَلَّمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَخُذْ لِنَفْسِكَ وَلرَبِّكَ مَا أَحْبَبْتَ (3).
فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فتَلَا عَلَيْنَا القُرْآنَ، وَدَعَا إِلَى اللَّهِ عز وجل، وَرَغَّبَ فِي الإِسْلَامِ، فَأَجَبْنَاهُ، وَصَدَّقْنَاهُ، وَآمَنَّا بِهِ، وَرَضِينَا بِمَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "تُبَايِعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالكَسَلِ، وَعَلَى النَّفَقَةِ فِي العُسْرِ وَاليُسْرِ، وَعَلَى الأمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ المُنْكَرِ، وَعَلَى أَنْ تَقُولُوا فِي اللَّهِ لَا يَأْخُذُكُمْ فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ يَثْرِبَ، فتَمْنَعُونِي
(1) الكَوَاهِلُ: جمعُ كَاهِلٍ، وهو مُقَدَّمُ أعلَى الظَّهْرِ. انظر لسان العرب (12/ 179).
(2)
مَنَعَةٌ: أي قُوَّةٌ تَمْنَعُ مَن يريدُه بِسُوءٍ. انظر لسان العرب (13/ 195).
(3)
قال الشيخُ صفيُّ الرحمن المباركفُورِي في الرحيق المختوم ص 148: وهذا الجواب يدلُّ على ما كانوا عليه من عَزْمٍ وتصمِيمٍ، وشجاعَةٍ وإيمانٍ وإخلاصٍ في تحمُّل هذه المسؤُوليَّةِ العظِيمة، وتحمل عَوَاقِبها الخَطِيرة.
مِمَا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ، وَلَكُمُ الجَنَّةُ".
فأَخَذَ البَرَاءُ بنُ مَغرُورٍ رضي الله عنه بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ، وَالذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لَنَمْنَعَكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا (1)، فبايِعنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَنَحْنُ أَهْلُ الحُرُوبِ، وَأَهْلُ الحَلْقَةِ (2)، وَرِثْنَاها كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ.
فَاعْتَرَضَ القَوْلَ -وَالبَرَاءُ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبُو الهَيْثَمِ بنُ التَّيِّهَانِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ -يَعنِي اليَهُودَ- حِبَالًا (3)، وَإِنَّا قَاطِعُوهَا، فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ نَحْنُ فَعَلْنَا ذَلِكَ، ثُمَّ أَظْهرَكَ اللَّهُ، أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ وَتَدَعَنَا؟ .
فتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ:"بَلِ الدَّمُ الدَّمُ، وَالهَدْمُ الهَدْمُ (4)، أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي، أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ، وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ".
فَقَالَ البَرَاءُ بنُ مَعْرُورٍ رضي الله عنه لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ابْسُطْ يَدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ نُبَايِعْكَ.
(1) أُزُرَنا: أي نِسَاءنا وأهلنا، كنى عنهُن بالأُزُرِ، وقيل: أرادَ أنفُسَنا، وقد يُكنى عن النفس بالإزَارِ. انظر النهاية (1/ 47).
(2)
الحَلْقَة: بسكون اللام السلاح وقيل الدُّرُوع. انظر النهاية (1/ 410).
(3)
حِبَالًا: أي عُهُودًا ومَوَاثِيق. انظر النهاية (1/ 321).
(4)
الهَدْمُ: يُروى بسكون الدال وفتحها، فالهَدَم بالتحريك: القَبْر يعني إني أُقبَر حيث تُقْبَرون. وقيل: هو المَنْزِل: أي منزلُكم مَنزلي، لا أفَارِقُكم. والهدم بالسكون وبالفتح أيضًا: هو إهدَارُ دَمِ القَتِيل. والمعنى: إن طُلِبَ دَمُكم فقد طُلِبَ دمي، وإن أُهدر دمُكم فقد أُهدِرَ دمي، لاستِحْكَامِ الألفَةِ بَيْنَنَا، وهو قول معروفٌ للعرَبِ، يقولون: دَمِي دمُكَ وهَدْمي هَدْمُكَ، وذلك عند المُعَاهدَة والنُّصْرَة. انظر النهاية (5/ 218).