الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
إسْلامُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رضي الله عنه
- (1):
ثمَّ أسلَمَ مَوْلاهُ (2) زيدُ بنُ حَارِثَةَ الكَلْبِيّ رضي الله عنه، وهُوَ أوَّلُ مَنْ أسْلَمَ مِنَ المَوَالِي، ويُقَالُ لَهُ حِبُّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهُوَ الذِي آثَرَ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى وَالِدِهِ وأهْلِهِ.
وسَبَبُ وُجُودِهِ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ما رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ في جَامِعِهِ وَحَسَّنَهُ، وابْنُ إسْحَاقَ في السِّيرَةِ: أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ (3) قَدِمَ مِنَ الشَّامِ بِرَقِيقٍ، فِيهِمْ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ رضي الله عنه، فدَخَلَتْ عليهِ خدِيجَةُ بنتُ خُوَيْلِدَ، فَقَالَ لهَا: اخْتَارِي أيَّ هَؤُلَاءِ الغِلْمَانِ شِئْتِ، فهُوَ لَكِ، فاختارَتْ زَيْدًا فأخَذَتْهُ، فلمَّا رآهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أعْجَبَهُ فَاسْتَوْهَبَهُ مِنْهَا، فَوَهَبَتْهُ لَهُ، فأعْتَقَهُ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وتَبَنَّاهُ، فَكَانَ يُدْعَى زَيْدَ بنَ مُحَمَّدٍ، وذلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ، وَكَانَ أبُوهُ حَارِثَةُ قَدْ جَزِعَ عليهِ جَزَعًا
(1) هو زَيْدُ بن حَارِثَةَ بن شُرَحْبِيلَ، أبو أسامة، وحِبُّ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كان لخديجةَ أوَّلًا، فوَهَبَتْهُ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَبْلَ النُّبوةِ، فتَبَنَّاهُ، فكان يُقال له: زيدُ بن محمد، ولم يَزَل كذلك حتى أنزل اللَّه:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} "الأحزاب آية 5"، وهاجرَ وشَهِدَ بَدْرًا وما بَعْدَها، إلى أن بَعَثَهُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عامَ ثمانٍ للهجرةِ أمِيرًا على جيش مُؤْتَةَ، فلقُوا الروم هنالك في جَمْعٍ عَظِيمٍ في معركة مُؤْتَةَ، فقُتلَ هنالكَ رضي الله عنه، وعُمْرُه خمس وخمسُونَ سنة. انظر الإصابة (2/ 494).
(2)
المَوْلَى: هو المَمْلُوكُ الذي أُعْتِقَ. انظر النهاية (5/ 198).
(3)
هو حَكِيمُ بنُ حِزَامِ بن خُوَيْلِدٍ، ابنُ أخِي خَدِيجة بنتِ خُويلد زَوْجِ النبي صلى الله عليه وسلم، وُلد في جَوْفِ الكعبَةِ، وَكَانَ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ، تأخَّرَ إسلامه حتى أسلَمَ عامَ الفَتْحِ.
وَكَانَ مِنَ المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وأعطاهُ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ حُنَيْن مِائَةَ بَعِيرٍ، ثم حَسُنَ إسْلامُهُ. مات رضي الله عنه سنة (60 هـ)، وقيل غير ذلك. انظر أسد الغابة (2/ 44).
شَدِيدًا، وبكَى عليهِ حِينَ فَقَدَهُ، وَقَالَ فِيهِ:
بَكَيْتُ عَلَى زَيْدٍ ولَمْ أدْرِ مَا فَعَلْ
…
أحَيٌّ فَيْرْجَى أمْ أتَى دُونَهُ الأَجَلْ
فَوَ اللَّهِ ما أدْرِي وإنِّي لسَائِلٌ
…
أغَالَكَ بعْدِي السَّهْلُ أمْ غَالَكَ الجَبَلْ
ويَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لَكَ الدَّهْرُ أَوْبَةٌ (1)
…
فَحَسْبِي مِنَ الدُّنْيَا رُجُوعُكَ لِي بَجَلْ (2)
تُذَكِّرُنِيهِ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا
…
وَتَعْرِضُ ذِكْرَاهُ إِذَا غَرْبُهَا أَفَلْ (3)
وإنْ هَبَّتِ الأرْوَاحُ هَيَّجْنَ ذِكْرَهُ
…
فَيَا طُولَ مَا حُزْنِي عَلَيْهِ وَمَا وَجَلْ
سَأُعْمِلُ نَصَّ (4) العَيْشِ فِي الأَرْضِ جَاهِدًا
…
ولَا أسْأَمُ التَّطْوَافَ أَوْ تَسْأَمُ الإِبِلْ
(1) الأوب: الرجوع. انظر لسان العرب (1/ 258).
(2)
البَجَل: العجب. انظر لسان العرب (1/ 319).
(3)
أفلت الشمس: غابت. انظر لسان العرب (1/ 167).
ومنه قوله تعالى في سورة الأنعام آية (76) على لسان إبراهيم عليه السلام: {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} .
(4)
النَصُّ: منتهى الأشياء ومبلغ أقصاها. انظر لسان العرب (14/ 163).
حَيَاتِي أَوْ تَأْتِي عَلَيَّ مَنِيَّتِي
…
فَكُلُّ امْرِئٍ فَانٍ وَإِنْ غَرَّهُ الأَمَلْ
فلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ بِمَكَّةَ قدِمَهَا لِيَفْدِيَهُ، فدَخَلَ حَارِثَةُ وَأخُوهُ عَلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يا ابنَ عبدِ اللَّهِ! يا ابنَ عبدِ المُطَّلِبِ! يا ابنَ هَاشِمٍ! يا ابنَ سَيِّدِ قَوْمِه! أنْتُمْ أَهْلُ الحَرَمِ، وجِيرَانُهُ وعِنْدَ بَيْتِهِ، تَفُكُّونَ العَانِي، وتُطْعِمُونَ الأسِيرَ، جِئْنَاكَ فِي ابْنِنَا عِنْدَكَ، فَامْنُنْ عَلَيْنَا، وَأحْسِنْ إلَيْنَا في فِدَائِهِ، فإنَّا سَنَرْفَعُ لَكَ فِي الفِدَاءِ. فَقَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ هُوَ"؟ قَالَا: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَدَعَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْدًا، فَقَالَ لَهُ:"إنْ شِئْتَ فَأقِمْ عِنْدِي، وإنْ شِئْتَ فَانْطَلِقْ مَعَ أبِيكَ"، فَقَالَ زَيْدٌ: بَلْ أُقِيمُ عِنْدَكَ، ومَا أنَا بِالذِي أَخْتَارُ عَلَيْكَ أحَدًا، أَنْتَ مِنِّي بِمَكَانِ الأبِ وَالأمِّ، فقَالَا: وَيْحَكَ يَا زَيْدُ أتَخْتَارُ العُبُودِيَّةَ عَلَى الحُرِّيَّةِ، وعَلَى أبِيكَ وعَمِّكَ وأَهْلِ بَيْتِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إنِّي قَدْ رَأيْتُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ شَيْئًا، ما أنَا بِالذي أَخْتَارُ عَلَيْهِ أحَدًا أبَدًا، فَلَمْ يَزَلْ زَيْدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حتَّى بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَصَدَّقَهُ، وأسْلَمَ، وصَلَّى مَعَهُ، فأنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} (1) قَالَ: أنَا زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ (2).
(1) سورة الأحزاب آية رقم (5).
(2)
أخرج ذلك: الترمذي في جامعه - كتاب المناقب - باب مناقب زيد بن حارثة رضي الله عنه رقم الحديث (4149) - وابن إسحاق في السيرة (1/ 284).