الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالطَّائِفُ بَلْدَةٌ مَعْرُوفَةٌ بَيْنَهَا وبَيْنَ مَكَّةَ اليَوْمَ (80) كيلُو مِتر تَقْرِيبًا، قَطَعَهَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ مَوْلَاهُ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ (1) مَاشِيًا عَلَى الأَقْدَامِ ذَهَابًا ورُجُوعًا.
وَكَانَ خُرُوجُهُ إِلَيْهَا لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالَ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ البِعْثَةِ (2).
*
وُصُولُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الطَّائِفِ:
فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الطَّائِفِ عَمَدَ إِلَى نَفَرٍ مِنْ ثَقِيفٍ، هُمْ يَوْمَئِذٍ سَادَةُ ثَقِيفٍ وأَشْرَافُهُمْ، وهُمْ إِخْوَةٌ ثَلَاثَةٌ: عَبْدُ يَالِيلَ بنُ عَمْرِو بنِ عُمَيْرٍ، ومَسْعُودُ بنُ عَمْرِو بنِ عُمَيْرٍ، وحَبِيبُ بنُ عَمْرِو بنِ عُمَيْرٍ (3)، وعِنْدَ أَحَدِهِمُ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي جُمَحٍ، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وكَلَّمَهُمْ بِمَا جَاءَهُمْ لَهُ مِنْ نُصْرَتِهِ عَلَى الإِسْلَامِ، والقِيَامِ مَعَهُ عَلَى مَنْ خَالفهُ مِنْ قَوْمِهِ.
فَقَال أحَدُهُمْ: هُوَ يَمْرُطُ (4) ثِيَابَ الكَعْبَةِ إِنْ كَانَ اللَّهُ أرْسَلَكَ.
وقَال الثَّانِي: أمَا وَجَدَ اللَّهُ أَحَدًا يُرْسِلُهُ غَيْرُكَ؟
(1) هذا الذي رواه ابن سعد في طبقاته (1/ 102) عن جبير بن مطعم، وذكر موسى بن عقبة، وابن إسحاق في السيرة (2/ 32) وغيرهما: أنَّه صلى الله عليه وسلم خرج وحده ماشيًا، فيمكن الجمعُ أن زيدًا رضي الله عنه لحِقَهُ بعد ذلك. انظر شرح المواهب (2/ 50).
(2)
انظر الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (1/ 102) - سيرة ابن هشام (2/ 33) - دلائل النبوة لأبي نعيم (1/ 295) - شرح المواهب (2/ 49).
(3)
هؤلاءَ الإخوَةُ أسلموا جَمِيعًا وجاؤُوا مع قومِهِم في عامِ الوُفُود من السنة التاسعة للهجرة.
(4)
يَمْرُطُ: يَنْتِفُ. انظر لسان العرب (13/ 81).
وَقَالَ الثَّالِثُ: وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا، لَئِنْ كُنْتَ رَسُولًا مِنَ اللَّهِ كَمَا تَقُولُ لَأَنْتَ أَعْظَمُ خَطَرًا مِنْ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ الكَلَامَ، ولَئِنْ كُنْتَ تَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أُكَلِّمَكَ.
فَلَمَّا يَئِسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم منْ خَيْرِهِمْ، قَالَ لَهُمْ:"إِذَا فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ فَاكْتُمُوا عَنِّي"، وَكَرِهَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبْلُغَ قَوْمَهُ خَبَرَ قُدُومِهِ عَلَى الطَّائِفِ فَيَجْتَرِؤُا عَلَيْهِ، وَتَزْدَادَ عَدَاوَتُهُمْ وَشَمَاتَتُهُمْ، ولَكِنَّ القَوْمَ لَمْ يَفْعَلُوا، وقَالُوا لَهُ: اخْرُجْ مِنْ بَلَدِنَا، وأَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ وعَبِيدَهُمْ، فَجَعَلُوا يَسُبُّونَهُ ويَصِيحُونَ بِهِ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، وقَعَدُوا لَهُ صَفَّيْنِ عَلَى طَرِيقِهِ، وأخَذُوا لَا يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ وَلَا يَضَعُهُمَا إِلَّا رَضَخُوهُمَا بِالحِجَارَةِ حَتَّى أدْمَوْهُمَا، وهُمْ في ذَلِكَ يَسْتَهْزِئُونَ ويَسْخَرُونَ، وكَانَ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ رضي الله عنه يَقِيهِ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَقَدْ أصَابَهُ شِجَاجٌ (1) في رَأْسِهِ، وَلَمْ يَزَلْ بِهِ السُّفَهَاءُ حَتَّى ألْجَؤُوهُ إِلَى حَائِطٍ (2) لِعُتْبَةَ وشَيْبَةَ (3) ابْنَيْ رَبِيعَةَ، فَلَمَّا دَخَلَ الحَائِطَ رَجَعَ عَنْهُ مَنْ كَانَ يَتْبَعُهُ مِنْ سُفَهَاءَ ثَقِيفٍ، وعَمَدَ إِلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ مِنْ عِنَبٍ، فَجَلَسَ فِيهِ هُوَ وزَيْدُ بنُ حَارِثَةَ رضي الله عنه.
(1) الشَّجُّ: في الرأس خاصَّةً، وهو أن يضربَهُ بشيءٍ فيجرحَهُ فيه ويشقَّه، ثم استعمل في غيره من الأعضاء. انظر النهاية (2/ 399).
(2)
الحائطُ: البُستان من النَّخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار. انظر النهاية (1/ 444).
(3)
هذانِ الرَّجُلانِ من سادَاتِ مَكة، وهما من أشدُّ من آذى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قُتلا كافرين في غزوة بدر الكبرى.